اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

المقال التالي إحياء حاشد في ساحة التحرير في بغداد للذكرى السنوية الأولى لشهادة السيد نصر الله

مقالات

محاولة اغتيال ثانية… حين أرادوا اغتيال الذكرى فانتصر الوجدان عند صخرة الروشة
مقالات

محاولة اغتيال ثانية… حين أرادوا اغتيال الذكرى فانتصر الوجدان عند صخرة الروشة

77

ليست كل الاغتيالات رصاصاً أو متفجرات، فقد تأتي أحياناً في صورةٍ أبرد، لكنها أشد خطراً. محاولة إعدام الذاكرة، عند صخرة الروشة؛ في قلب بيروت، لم تكن سوى امتداد للرصاصة الأولى التي أرادت أن تُسكت صوت رجلين؛ السيد حسن نصر الله ورفيقه في المسيرة السيد هاشم صفيّ الدين. وحين عجزوا عن اغتيال الروح في الحياة، سعوا إلى اغتيال الذكرى بعد الرحيل، بمنع إقامة المهرجان، وحجب الحشود، وإسكات صوت الوفاء.

غير أنّ بيروت لم تنكسر، وجماهيرها لم تصمت. خرجوا كما يخرج البحر من جوفه، ممتدين بلا حدود، ليؤكدوا أنّ الأوفياء لا يموتون، وأنّ التاريخ لا يُمحى بقرارٍ إداري ولا يُغتال بتهديد. لقد هتف الناس للذكرى لا لأنها واجب شكلي، بل لأنها انعكاس لوجدانهم الأعمق؛ لأنهم يدركون أنّ القادة الذين عاشوا حياتهم فداءً للأمة لا يغيبون إلا جسدًا، أما الأرواح فخالدة في وجدان الملايين.

الوجدان سبق السياسة في ذلك المشهد. كانت الجماهير هي التي كتبت البيان الأبلغ؛ إن الذكرى ليست ترفاً، ولا استعراضاً، بل عهدًا متجددًا. ولعلّ أكثر ما أربك خصوم المقاومة من أي سلاح، أنّ الذاكرة الشعبية لا يمكن قصفها، ولا يمكن اعتقالها.

لكن للمشهد أيضاً أبعاده السياسية العميقة. فمحاولة منع إقامة ذكرى السيدين تكشف أنّ هناك من يسعى إلى تجفيف منابع القوة المعنوية للمقاومة، بعدما فشل في مواجهتها ميدانياً وعسكرياً. إذ لم يعد الصراع محصوراً بالجبهات، بل امتد إلى المعركة على الهوية والوعي والذاكرة. إنّ اغتيال الذكرى محاولة لاغتيال الشرعية الشعبية التي تمنح المقاومة قوتها. لكن الحشد الجماهيري عند الروشة كان بمنزلة تصويتٍ صريح: الناس أوفياء لقادتهم، متمسكون بخيارهم، غير قابلين للبيع أو التهميش.

وفي البعد الإقليمي، بدا المشهد رسالة قوية لكل من يراهن على أنّ الزمن كفيل بتآكل فكرة المقاومة. فلبنان الذي حاولوا تصويره منقسماً وممزقاً، ظهر في بيروت كجسدٍ واحد، يهتف باسم رجلين تحولا إلى أيقونتين عربيتين. الرسالة وصلت واضحة: إن فلسطين والقدس ليستا غريبتين عن وجدان هذا الشعب، وإنّ أي مشروع لعزل لبنان عن قضيته المركزية محكوم بالفشل.

أما على المستوى الداخلي، فقد كشف الحدث أنّ محاولة إخماد صوت المقاومة ليست سوى تعبير عن مأزق سياسي عميق يعيشه خصومها. إذ إنهم عاجزون عن تقديم بديل وطني جامع، فلا يجدون سوى استهداف الرموز، ولا سلاح لديهم سوى اللعب على مسرح الذكريات. لكن المفارقة أنّ هذا الاستهداف لا يؤدي إلا إلى نتيجة عكسية، وهي مضاعفة الالتفاف الشعبي حول المقاومة وقادتها.

لقد تحوّلت صخرة الروشة اليوم إلى رمز يتجاوز جغرافيتها. صارت مرآةً تعكس صلابة الذاكرة اللبنانية، وشاهداً على أنّ الروح لا تُغتال مرتين. فكما فشلت محاولات إخماد صوت نصر الله وصفيّ الدين في حياتهما، فشلت اليوم محاولات اغتيال حضورهما بعد الرحيل.

إنّ المشهد بكامله كان بمنزلة إعلان وجداني وسياسي في آن:

وجداني؛ لأنه أظهر أنّ الوفاء لا يُقاس بالكلمات بل بحشود القلوب.

وسياسي؛ لأنه أكد أنّ مشروع المقاومة لا يزال حياً، متجذراً في وجدان الناس، وأنّ أي رهان على محوه محكوم بالسقوط.

وهكذا، أثبتت بيروت مجدداً، أنّها ليست فقط مسرحاً للتجاذبات، بل أيضاً ساحة ولادة جديدة للذاكرة الحية. عند الروشة، انتصر الذكر على الموت، وانتصر الوفاء على النسيان، وانتصر الوجدان الشعبي على محاولات الاغتيال الثانية. فالله الذي أعزّ السيدين في حياتهما بالنصر، أعزهما بعد الرحيل بالحب العارم والوفاء الصادق، حتى صار الحشد نفسه جواباً إلهياً على كل محاولة اغتيال:
"إن أرادوا أن يطفئوا نور الله، فإنّ نور الله باقٍ لا يزول".

الكلمات المفتاحية
مشاركة