اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

المقال التالي جولة بقاعية لوفد حوزات علمية إيرانية: تقدير لشهداء المقاومة ودعم لقضايا المستضعفين

مقالات

الاستفتاء الثاني.. المقاومة قدر لبنان
مقالات

الاستفتاء الثاني.. المقاومة قدر لبنان

73

الذكرى السنوية الأولى لعروج سيد شهداء الأمّة السيد حسن نصر الله وصفيّه السيد هاشم صفي الدين في 27 أيلول/سبتمبر 2025 شكّلت استفتاءً شعبيًا ثانيًا بعد الاستفتاء الأول قبل عام حيث اقترع فيه أبناء المقاومة وبيئتها والمحبّون والمؤمنون بلبنان السيد الحرّ المستقلّ حين شيّعوا السيدين الشهيدين.. بحر الشرفاء الذي ازدحمت به الأماكن المقرّرة لإحياء المناسبة في الضاحية والجنوب والبقاع جدّد اقتراعه بالقبضات والأصابع لخيار المقاومة اقتداءً بأصبع السيد الذي كلّما رفعه في خطاباته اهتزّت له أروقة القرار السياسي والعسكري في كيان العدو، حتّى أضحى واحدًا من إشارات العزّة ورمزًا يحمل معه الكثير من الدلالات والرسائل.

السيد نصر الله محور المحور
لم يأتِ الاستفتاء لبنانيًا صرفًا بل شاركت به عواصم دول المحور وقلوب الشعب الفلسطيني الصامد في قطاع غزّة والضفّة الغربية، وكان السيد ورفاقه من الشهداء القادة والمجاهدين حاضرين في وجدان أهل المقاومة في إيران والعراق واليمن وتونس والجزائر، وحيث تواجد النبض المقاوم في قلوب الذين عشقوا السيد الشهيد بشخصه وصفاته وصوته الهادر وقيادته الرائدة في زمن التخاذل والاستسلام والرضوخ، وتماهوا مع مواقفه وشعاراته وكلماته التي لطالما صدحت في آذان من أحبوه ومن تخاصموا معه على حد سواء.
"لقد كان نصر الله جيشًا كاملًا.. وكان محور المحور".. ليس هذا وصف محبّ بل وصف بنيامين نتنياهو أعتى عدوّ يهدّد فلسطين ولبنان والمنطقة برمّتها، وأكبر إرهابي تواجهه المقاومة لتسقط أحلامه في تنفيذ مشروع "إسرائيل الكبرى" الكارثي الذي لا يستثني أحدًا أو دولة من شروره، حليفًا كان أم صديقًا أم مطبّعًا أم تربطه به "اتفاقات سلام"، "والحق ما شهدت به الأعداء".. هكذا حفر السيد الشهيد اسمه في سجل عظماء التاريخ ممّن تركوا بصماتهم المؤثرة في سياق التحوّلات المصيرية، وشكّلوا بحد ذاتهم منعطفًا محوريًا أسهم في تغيير المعادلات وصوّب المسارات المُسقَطة قهرًا على الأنظمة والشعوب، وأسّس على ما سبق في مسيرة المقاومة ليعملق الفعل والأثر ويستعيد عصر الانتصار ويهزم "إسرائيل" ومحور الشر الأميركي، ويأخذ بلبنان إلى مصاف الدول الفاعلة في النظام العالمي من منطلق القوّة وليس الضعف.

لبنان والمنطقة في قلب العاصفة
لم تكن فعاليات السنوية الأولى لاستشهاد السيدين نصر الله وصفي الدين وقادة المقاومة مجرد فعل احتفالي في محطة عاطفية، فقد جاءت في خضمّ تحدّيات كبرى ما تزال تعصف بلبنان والمنطقة، فحكومة الاحتلال برئاسة نتنياهو، والتي تحظى بأعلى مستوى الدعم الأميركي منذ الإعلان عن الكيان الصهيوني في ظل حكم دونالد ترامب، يواصل ارتكاباته الإجرامية بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزّة ويهدّد بتهجير الفلسطينيين في الضفّة الغربية للقضاء على أي أمل في إنشاء دولة فلسطينية حتّى لو كانت على شكل مسخ كما يريدها محمود عباس وسلطته الهجينة، كما يطبق على سورية سياسيًا وعسكريًا وميدانيًا بموقعها الجيوستراتيجي البالغ الأهمية في ظل تهديدات حقيقية بذهاب البلد إلى التقسيم الجغرافي والعرقي نتيجة التجاذبات الإقليمية والدولية، دون أن نغفل التهديدات المباشرة التي يطلقها حلف ترامب - نتنياهو بحق إيران والعراق واليمن والتي لم توفر الدول العربية الخليجية والتي كان آخرها العدوان على الدوحة.

بيئة المقاومة الوعي الكامل
أما لبنان، فعلى الرغم ممّا أسفرت عنه الحرب التدميرية الشاملة من خسائر فادحة في البشر والحجر في أيلول 2024، واستمراره في حرب الاستنزاف البشري والمادي للمقاومة وبيئتها على امتداد الجغرافية اللبنانية، إلا أنه ما يزال يشكّل حجر الرحى في ساحة التطوّرات الراهنة والقادمة، ولم تسفر الضغوطات السياسية الأميركية الحيوانية من قبل مبعوثي ترامب الوقحين في إحداث التحوّل الجذري الذي تطمح إليه "إسرائيل" بنزع سلاح المقاومة من خلال قرار حكومي لبناني أرعن، ولم تفلح الاستهدافات "الإسرائيلية" المستمرة لكوادر المقاومة ولا الاعتداءات اليومية بحق بيئتها وأهلها في الجنوب في إضعاف المقاومة وبيئتها، كما لم تنجح الحملات الداخلية الموتورة المدارة من قبل "غرفة عوكر" والتي تنفّذها جماعات السفارات في إثارة الغبار أو زعزعة الاعتقاد بصوابية خيار المقاومة سبيلًا أوحد لاستعادة استقلال لبنان وسيادته، بل أسهم كلّ ذلك في زيادة الوعي لدى المقاومة وبيئتها واتضاح الصورة المركّبة للبنان وتشكيلاته السياسية بتفاصيلها الناصعة دون لبس.

رسائل المقاومة للداخل والخارج
أما على مستوى المقاومة فقد جدّد بحر المحبّين بيعته لها وللأمين العام سماحة الشيخ نعيم قاسم، وأكّد الثبات على العهد خلف قيادته بعدما أثبتت تطوّرات العام الذي مضى حكمة هذه القيادة وعمق توجهاتها الوطنية الراسخة في مقابل تهافت الآخرين على تقديم فروض الطاعة للمستعمر الأميركي، وأظهر وفاء بيئة المقاومة
وخصوصًا جمهور الثنائي الوطني قوة التلاحم بين القيادة والقاعدة، واستعداد هذا الشعب الوفي للمضي قدمًا في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية مهما كثرت وعظمت وفي أي مجال كان.

في المقابل أطلق حزب الله والمقاومة من خلال هذا الاستفتاء جملة من الرسائل، أهمها:
 -  استيعاب الصدمة المتأتية عن استشهاد السيدين وثلة من قادة المقاومة ومجاهديها وإتمام عمليات الترميم والبناء وصولًا إلى إعادة التموضع في شتّى المستويات التنظيمية والعسكرية.
 -  الاستفادة من الدروس التي أفرزتها الحرب واستخلاص العبر باتّجاه تدعيم البنية الداخلية للحزب والمقاومة وفق منظومة جديدة تأخذ بالحسبان المرونة والحسم في آن واحد.
 -  التأكيد على المقاومة خيارًا إستراتيجيًا لا تنازل عنه وجهوزيتها لمواجهة التهديدات والأخطار المحدقة به، مع ما يقتضيه ذلك من الحفاظ على السلاح كأداة ضرورية لتحقيق هدف حماية لبنان.
 -  الانطلاق إلى مرحلة متقدّمة في سياق تحصين النظام السياسي في لبنان ونسج علاقاته مع محيطه العربي والإسلامي ويؤدي حزب الله في ذلك دورًا محوريًا لتحقيق الاستقرار الداخلي، وهذا ما عبّر عنه سماحة الشيخ قاسم في دعوته المملكة العربية السعودية إلى فتح صفحة جديدة مع المقاومة.
 -  الدفع باتّجاه إخراج المقاومة من بازار التجاذبات السياسية الداخلية، والتصويب على "إسرائيل" كونها العدوّ الحقيقي الذي يستهدف استقرار لبنان ولا يخفي نواياه التوسعية في احتلاله وضمّه إلى كيانه.
 -  تكريس المقاومة لدورها الرافد للجيش اللبناني وتقديم كلّ أنواع الدعم لتمكينه من القيام بدوره في حماية لبنان على أكمل وجه وعلى كامل الأراضي اللبنانية.
 -  الحفاظ على السلم الأهلي الذي يدفع البعض في الداخل إلى تخريبه وفق أجندة أميركية - "إسرائيلية"، ودعوة الأفرقاء كافة للعودة إلى الخيار الوطني، بما يفترضه هذا الأمر من عقد حوار داخلي بمعزل عن الوصاية الخارجية الجامع التي تتربّص شرًا بلبنان لصالح "إسرائيل".

الاستفتاء الثاني
راهنت الإدارة الأميركية و"إسرائيل" على أن أسلوب تزخيم الضغوط السياسية والاقتصادية من خلال إطباق الحصار على لبنان، وأن سياسة "قطع الأنفاس" من خلال إدامة الاعتداءات وإبقاء الناس في حالة انعدام الأمن، من شأنه أن يضعف المقاومة وبنيتها ويدفع بيئتها باتّجاه التفتيش عن خيارات أخرى لضمان المعيشة والراحة والاستقرار، إلا أن العقل الميليشاوي الذي يسكن عقل أصحاب القرار في واشنطن و"تل أبيب" لم يصل حتّى الآن إلى فهم تركيبة عقل المقاومة وقيادتها وبيئتها وجمهورها في لبنان، وقد يكون هذا المعطى طبيعيًا إذا ما نظرنا إلى تناقض منظومة القيم بين العقلين وفي مقدمتها العزّة والكرامة، ومن هنا جاء خطاب سيد شهداء الأمّة لأمّة المقاومة: يا أشرف الناس وأكرم الناس وأطهر الناس.. وترجم هؤلاء الناس كينونتهم الحقيقية في سنوية السيدين الشهيدين لإعلاء الموقف وتجديد البيعة للمقاومة التي هي قدرهم كما هي قدر لبنان وخياره.

الكلمات المفتاحية
مشاركة