خاص العهد
يوم الفاجعة في 27 أيلول 2024 كان قاسيًا جدًا. كلّ التفاصيل مُؤلمة، الأسماء والأصحاب والأمكنة وما بقي موجعٌ. عودةٌ الى أبطال هذا النهار. القائد الجهادي الحاج محمد خير الدين (الحاج حسن). الاسم مكشوف لرفاق السلاح والمسيرة، لكنّه خرج الى الضوء في ذلك اليوم.
هو أمين سرّ سيد شهداء الأمة السيد حسن نصر الله. عمّار في التعبئة التربوية، وأبو مهدي بين عائلته. عمل الى جانب القائد الجهادي الكبير الحاج عماد مغنية، والى جانب القائد الجهادي السيد مصطفى بدر الدين (السيد ذو الفقار)، وكان من المخطّطين لعمليات المقاومة النوعية، حتى أمسى صلة الوصْل بين السيد والجسم الجهادي في حزب الله. اختار طريقًا محفوفًا بالتحديات والصعاب، فداءً للإسلام وقضية المسلمين الأولى، الى أن مضى شهيدًا.
في مقابلة مع موقع "العهد" الإخباري، تتحدّث الحاجة فادية خير الدين عن زوجها الحاج محمد أو الحاج حسن كما كان يُنادى من قبل السيد، وعن خصالِ من أفنى عمره وشبابه وشيْبته من أجل إعلاء صوت الحقّ ومواجهة الاستكبار.
فُجعنا بالسيد أولًا
بحسب الحاجة فادية، فقْد السيد طغى على خسارة الحاج. تقول "صحيح شاهدنا الضربة مباشرة من حيث كنّا. وقرأنا أن الاستهداف طال غرفة القيادة المركزية للمقاومة، لكن لم نتوقّع هذا السيناريو حتى أننا استبعدنا فرضية استشهاد السيد. مع تقدّم الساعات، بدأ الأولاد يسألونني عن إمكانية أن يكون الحاج بين المُستهدفين والشهداء فقلتُ لهم تحضّروا لشهادته. وطلبتُ منهم الدعاء والتوسّل بأن يكون السيد بخير والآخرون فداءً له حتى زوجي". وتُكمل "في اليوم الثاني، أُُعلن نبأ استشهاد السيد فتيقّنتُ سريعًا أن الحاج أيضًا مضى شهيدًا. وقْع شهادة السيد وصدمتنا بها، أخذتنا عن شهادة الحاج. بكيْنا أولًا سماحة السيد، ثمّ وصَلَنا نبأ شهادة الحاج فبكيْناه".
تُضيف "المُصاب قاسٍٍ، لكن الله ربط على قلوبنا ولم نجزع أو ننكسر، رغم دموعنا وألمنا، بل تيقّنا أن لا حل أمامناسوى الصمود وتحمّل المسؤولية"، وتُتابع "رأينا جثمان الحاج في اليوم الثاني في بيروت، قضينا ليلة معه قبل تشييعه ودفنه، غير أن هذا الوداع كان مليئًا بالغُربة، خاصة أن عددًا من القادة وورُوا في الثرى في الوقت نفسه: القائد الجهادي الحاج علي كركي (أبو الفضل)، القائد الجهادي الحاج سمير ديب (الحاج جهاد) والقائد الجهادي الحاج ابراهيم جزيني (الحاج نبيل) والقائد الجهادي الشيخ نبيل قاووق".
تستعيد الحاجة فادية بعضًا من شيَم زوجها الشهيد، فتشير الى أنه كان كتومًا للغاية، حنونًا، كريمًا، مضيافًا، يُساعد الآخرين دون أيّ ظهور أو بروز، بارّ بالوالديْن، وزاهد لم تملكه الدنيا، مُتعفّف، وصبور جدًا. وفي الخلاصة، تنطبق على الحاج محمد خير الدين مقولة أمير المؤمنين (ع): "كان لي فيما مضى أخ في الله، وكان يعظمه في عيني صغر الدنيا في عينه، وكان خارجًا من سلطان بطنه، فلا يتشهى ما لا يجد، ولا يكثر إذا وجد، وكان أكثر دهره صامتًا". كلمته الثابتة لعائلته وأبنائه الذين تشرّبوها: "لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم. نحن ضيوف في هذه الدنيا".
الحضور المؤثّر
وجود الحاج في منزله مؤثّر وطاغٍٍ فهو مواكب لتفاصيل أبنائه وأهمّ محطات عمرهم ولا سيّما مرحلة التعليم. وفق الحاجة فادية، درّب الحاج عائلته على نهج أمني في يوميّاتها مع الناس، بحيث لا تُكشف هويّته أو هوية عائلته الصغيرة وأولاده، "وهذا ما وفّر علينا الكثير من إجراءات الحماية". حتى أنه لم يحمل هاتفًا خلويًا منذ عام 2000 ولم يستخدمه كما أنه منع تصويره به نظرًا لموقعه الحسّاس، وظلّ كذلك الى أن كُشف دوره بعد ارتقائه فصُدم جيراننا ومحيطنا بمكانته.
الأمين.. توأم الروح
عشِق الحاج السيد، أضحى رفيقه وتوأم روحه. يُقاسمه همومه وأحزانه وما يمرّ، يطمئن على أبنائه رغم كلّ انشغالات الأمين. ومن عرفه عن قرب، تلمّس تطبُّعه بأخلاق السيد ومنطقه. وهَب عمره من أجل خدمته، وقدّم كلّ ما يستطيع لأجل ذلك، حتى منزله الذي احتضن الكثير من الجلسات الجهادية.
آخر العمر.. تجديد الوصية
الأيام الأخيرة محفورة في ذاكرة عائلة الحاج. الاثنين 23 أيلول يوم اندلاع الحرب كان اللقاء الأخير صباحًا، ثمّ بعد الافتراق ظلّ يطمئن إذا وصلت العائلة الى وُجهتها وباتت في مكان آمن. كذلك اطمأنّ على أهله وغاب عن السمع. اللافت في آخر عمره، وفق الحاجة فادية تجديد وصيّته قبل الحرب بثلاثة أشهر، بعد أن استشعر قُرب الأجل وتدهور الوضع الأمني، وقد وصَل به الأمر الى حدّ أن فكّر بكتابة اسمه على يديْه تحضيرًا للشهادة في أيّة لحظة غادرة من العدو، كما أسرّ لزوجته.
كان جهادُ الحاج محمد خير الدين صدقةَ سرّ حقًا. كافح ووهب وسخّر حياته من أجل نُصرة المُستضعفين والسير على خطّ الإسلام وفلسطين. وبالفعل، ختمها شهيدًا مُخلصًا مُثابرًا مُلتزمًا وصالحًا.