اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

المقال التالي جمعية "وتعاونوا": قوافل الدعم في القرى الحدودية مستمرة

مقالات

مستقبل الوضع في غزّة بين ألغام خطة ترامب ومساحة المناورة
مقالات

مستقبل الوضع في غزّة بين ألغام خطة ترامب ومساحة المناورة

67

يأتي ردّ حركة حماس على مبادرة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في لحظة مشحونة بالتحولات الإستراتيجية والتجاذبات الإقليمية والدولية، حيث تتقاطع الاعتبارات السياسية مع الوقائع الميدانية في قطاع غزّة، وتتفاعل الضغوط الدولية مع مساعي الأطراف المتصارعة لتسجيل إنجازات أو منع هزائم. 

ولعلّ الموقف الذي عبّرت عنه حماس من الخطة الأميركية يجسّد صيغة مدروسة وهادفة، لم تخرج عن منطق "نعم، ولكن"، وهو تكتيك يعكس براعة في إدارة التفاوض، ومحاولة لتخفيف الضغوط الدولية دون أن تُقيّد الحركة نفسها بخيارات نهائية.

في المقابل، جاء رد فعل ترامب صادم لحكومة نتنياهو، بما حمله من دعوة مباشرة إلى وقف الحرب على غزّة فورًا، الأمر الذي فتح الباب أمام دلالات إستراتيجية ورسائل متشابكة في أكثر من اتّجاه.

ردّ حماس: بين القبول والرفض

ردّ حماس لم يكن انفعاليًا أو عابرًا، بل حمل سمات التوازن الحذِر. فهي من جهة أبدت استعدادها لإطلاق سراح جميع الأسرى الإسرائيليين دفعة واحدة، وهو تنازل نوعي، لكنّه في المقابل لم يُربط بجدول زمني صارم، كما أرادت الخطة الأميركية. 

بهذا تكون الحركة قد قدّمت "مفتاحًا تفاوضيًا" يحاكي نزعات ترامب ويُظهِر انفتاحها على المبادرة، لكنّها في العمق أبقت على أوراق قوة أخرى، أهمها سلاح المقاومة وربطت مصير قطاع غزّة السياسي والأمني، بما هو أبعد ما ورد في الخطة، بمستقبل القضية الفلسطينية والإجماع الفلسطيني.

كان أمام حماس خياران أحلاهما مُرّ: إما القبول المطلق بالخطة، بما يعنيه ذلك من تجريدها من السلاح والتمهيد الطريق لاجتثاثها أيضًا كلاعب سياسي. أو الرفض القاطع الذي كان سيجلب عليها مجازر وضغوطًا عربية ودولية هائلة. من هنا جاء خيار "نعم، ولكن" صياغة ثالثة، تُتيح لها البقاء في مساحة مناورة، وتُحمّل "إسرائيل" مسؤولية استمرار الحرب، وتُبقي على مرجعية الإجماع الفلسطيني في القضايا الكبرى.

مرتكزات موقف المقاومة

يمكن تلخيص مرتكزات ردّ المقاومة في عدة محاور رئيسة:

استنفاد مساعي وقف الحرب: وتهدف من وراء ذلك إلى محاولة إيقاف المجازر في حق المدنيين وإنهاء معاناتهم، وقطع الطريق على مخطّطات نتنياهو التي تتصل بمستقبل غزّة وسكانها.

امتصاص الضغط الدولي والعربي: عبر الإعلان عن الاستعداد لإطلاق الأسرى، أحياءً وأمواتًا، دون تحديد مهل زمنية، ما يرضي الرأي العام الدولي دون تقديم التزامات تفصيلية ملزمة.

التنصل من مسؤولية استمرار القتال: ألقت حماس الكرة في ملعب نتنياهو، لتُظهر أن تل أبيب هي المعرقل لأي وقف لإطلاق النار، خاصة بعدما حاولت الرواية الأميركية - "الإسرائيلية" تحميل الحركة مسؤولية المجازر.

تجاهل مطلب نزع السلاح: وهو بيت القصيد بالنسبة ل"إسرائيل"، حيث أبقت حماس هذا الملف خارج دائرة القبول، وربطته بمستقبل القضية الفلسطينية ومصير الصراع ككل، لا كمسألة ثانوية قابلة للتنازل.

موقف ترامب

ردُّ فعل الرئيس ترامب كان مفاجئًا من حيث السرعة والحدة. إذ دعا إلى وقف فوري لإطلاق النار، وأشاد باستعداد حماس للإفراج عن الأسرى، متجاهلًا مسألة تفكيك البنية العسكرية للحركة. هذا الموقف لم يكن منفصلًا عن شخصية ترامب ونزعته إلى تضخيم الإنجازات، وتقديمها كاختراق دبلوماسي استثنائي. بيد أن انعكاساته السياسية كانت بالغة الثقل على "إسرائيل" التي وجدت نفسها محاطة بحلقة ضغط دولية وعربية رحّبت بالمبادرة الأميركية.

يمكن القول، إن حماس نجحت في استثمار هذه النزعة الترامبية، إذ صاغت ردها بطريقة تُشبع حاجة ترامب إلى إعلان "انتصار تفاوضي"، دون أن تقدّم تنازلات جوهرية تمَسُّ جوهر مشروعها المقاوم.

التكتيك الإسرائيلي

إزاء ذلك، حاولت "إسرائيل" تحويل رد حماس إلى فرصة سياسية. فمكتب نتنياهو أعلن الاستعداد للتنفيذ الفوري للمرحلة الأولى من خطة ترامب؛ أي الإفراج عن الأسرى، لكنّه في الوقت نفسه أصرّ على مواصلة العمل "وفق المبادئ التي وضعتها إسرائيل"، بما يعني أن أي تنازل فلسطيني مرحلي سيُوظَّف لتجزئة القضايا الكبرى: الانسحاب، مستقبل غزّة، والسلاح. بذلك، تسعى "إسرائيل" إلى أنتزاع أثمان عاجلة (الأسرى) مع الاحتفاظ بحق استخدام القوّة، والضغط لاحقًا في الملفات الجوهرية.

هذا التكتيك "الإسرائيلي"  ليس جديدًا، فهو يقوم على إثارة قضايا جانبية وتفاصيل إجرائية تُحوَّل إلى عقبات تفاوضية؛ لإبقاء النقاش بعيدًا عن القضايا المصيرية التي يُطالب بها الفلسطينيون على اختلاف توجهاتهم.

التناقضات الجوهرية

أمام هذا المشهد، تبدو التناقضات بين الأطراف عميقة وصعبة التجسير:

مسألة سلاح المقاومة تمثل لغمًا قابلًا للانفجار في أي لحظة.

إدارة غزّة بين طرف فلسطيني يريد الحفاظ على استقلالية القرار، و"إسرائيل" التي تصر على التحكم بالمصير السياسي والاقتصادي للقطاع.

الانسحاب، وهو ملف لا تزال تل أبيب تتفاداه، في ما تعتبره حماس شرطًا لأي تهدئة ذات معنى.

هذه التناقضات تجعل أي حديث عن تسوية مستقرة ضربًا من الوهم، ما دامت القضايا الجوهرية مؤجلة ومُرحّلة.

في المحصلة، يمكن قراءة ردّ حماس وموقف ترامب وما تبعهما من ردّ "إسرائيلي" في إطار لعبة معقّدة متعددة المستويات: حماس تحاول وقف المجازر بحق المدنيين وإيقاف الحرب، وتناور للحفاظ على أوراق قوتها دون التخلي عن ثوابتها، ومحاولة عدم خسارة التعاطف الدولي. 

ترامب يسعى لإظهار اختراق دبلوماسي يُعزز صورته كرجل صفقات، و"إسرائيل" تبحث عن مكاسب عاجلة تُحررها لاحقًا من القيود. لكن خلف كلّ ذلك، يظل السؤال الجوهري قائمًا: هل يمكن لأي تسوية أن تصمد ما دامت تتجاهل جوهر الصراع، أي حق الشعب الفلسطيني في التحرر، واستمرار المقاومة كسلاح وجودي في مواجهة مخطّط الإبادة "الإسرائيلية"، وإستراتيجية الضم الزاحف؟

الجواب - حتّى الآن - أن ما يجري ليس إلا جولة أخرى في مسار طويل من المناورات، حيث لا يزال المشهد مفتوحًا على احتمالات التصعيد أكثر من احتمالات الاستقرار.

الكلمات المفتاحية
مشاركة