اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

المقال التالي وزارة الصحة الفلسطينية تطلق مجددًا نداءات عاجلة لإنقاذ المنظومة الصحية 

مقالات

كربلاء نصرالله: هكذا أصبحت فلسطين هوية عصرنا
مقالات

كربلاء نصرالله: هكذا أصبحت فلسطين هوية عصرنا

"فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه" (1) 
135

1
في التاريخ

... و"صورة الماضي"، يجادل الفيلسوف الألماني والتر بنجامين في "مفهوم التاريخ"، ليست كيانًا ثابتًا، بل هي كيان حي، مفتوح، ويتجه دائما نحو الحاضر وإمكانياته التحويلية. فالماضي ليس مجرد تراكم مجموعة من الحقائق الجامدة، بل هو حقل حيوي، يختزن دائما "حاضرًا"، وبالتالي يختزن إمكانيات جديدة، وفهمًا جديدًا ومتجددًا يمكن استحضاره، خصوصًا عند الحاجة والضرورة، وتحديدًا في لحظات الفعل الثوري أو التحولات الحاسمة (الأطروحة الثانية). وكل جيل يعرف الماضي، ويختبره ويعيشه بطريقة مختلفة، وبالتالي يدركه بشكل مختلف. وهذا أيضًا كذلك، لأن التاريخ ليس مسارًا خطيًا من التقدم المتواصل، بل هو "موضوع بنية، ليس موقعها وقتًا متجانسًا وفارغًا"، بل وقتًا ممتلئًا بحضور الحاضر وطغيان الآن. "هكذا، كانت روما القديمة بالنسبة لروبسبيير. كانت ماضيًا مشحونًا بوقت الآن والحاضر الذي فجره من استمرارية التاريخ". ولهذا أيضا "اعتبرت الثورة الفرنسية نفسها تجسيدًا لروما". 

هذه الأطروحة ليست مجرد رؤية، أو حتى مجرد رؤية أاخرى للماضي. بل، هي أيضا رؤية ثورية للتاريخ، أو هي الرؤية التي تؤسس لفهم ثوري للتاريخ، يتجاوز مفهوم التقدم الخطي، الى احتضان لحظات الماضي المُجزأة كمواقع للإمكانات الثورية والتضامن مع المضطهدين، فالقمع، وليس التقدم، هو القاعدة في التاريخ (الاطروحة ١٤) (2) . 

لهذا، صورة الماضي، كما مفهوم التاريخ، هي كـ "قفزة نمر" نحو الماضي، في استعارة عبقرية توحي بانطلاقة مفاجئة وحيوية نحو لحظة ماضية، تمنح الماضي دلالات جديدة مستمدة من السياقات والأحداث المعاصرة والراهنة، بدلًا من كونها رحلة متواصلة عبرها. هذه القفزة، الاستعارة، تصف كيف يمكن للحاضر استدعاء الماضي، كيف تُتيح فيه لحظة الخطر بروز فهم جديد ومختلف للتاريخ. هذه، إذًا، ليست رؤية تاريخانية، وليست رؤية متواصلة للتاريخ، وليست قصة حدث جامد، بل رؤية مجزأة، حيث يكون، ويُفْهم الحاضر على أنه "زمن حالي" لكن مليء بشظايا الماضي. هي رؤية مستمرة ومتغيرة للتاريخ، وتفكيك دائم ومتجدد للماضي يعيد قراءته ويعطيه معنى جديدًا في ضوء الحاضر. 

2

كل أرض كربلاء

يمكن، إذًا، ولذلك، الزعم أنه، فعلًا، من المبكر كتابة تاريخ كربلاء، كما يقول هادي العلوي. فليست كربلاء حدثًا حيًّا ومتجددًا فقط، بل ويمتلك قدرة لا محدودة، ولا نهائية، على إعادة التفسير والتفاعل والتجدد مع سياقات زمانية ومكانية متعددة ومختلفة. وسرد قصة كربلاء في زمننا هذا، لا يعني فقط سرد الوقائع كما حدثت فقط، بل فهم ما حدث بعمق أكثر، بسرده في سياق الحاضر والآن. هذا يعني أن تصبح كربلاء حالة أيديولوجية، أن تصبح عقيدة. هكذا يصبح فيها السرد دعوة للثبات على المبدأ، رغم كل شيء ورغم كل التضحيات ("لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل، ولا اقر لكم إقرار العبيد"). هذا يعني أن تصبح كربلاء تحفيزًا لعمل راهن ومستقبلي ("من لحق بي منكم استشهد ومن تخلف لم يدرك الفتح"). هذا يعني أن تصبح كربلاء خارطة طريق للمستقبل ("ثم لا تلبثون بعدها إلا كريث ما يركب الفرس، حتى تدور بكم الرحى"). فكربلاء ليست حدثًا تاريخيًا ثابتًا أو جامدًا، حتى لا نقول ليست حتى حدثًا تاريخيًا آخر. وكربلاء ليست ولم تكن يومًا مجرد معركة من معارك الماضي، بل كانت، وأصبحت، وستبقى ما دام هناك ظلم واستكبار، فضاءً ثقافيًا، فكريًا، وأخلاقيًا، وأيضًا كفاحيًا مستمرًا ومتحركًا، يتفاعل مع كل لحظة في زمننا، وكل حدث من تاريخنا وحاضرنا، وفي تاريخنا وحاضرنا. ليست حدثًا، أو حدثًا آخر، بل تجربة إنسانية كبرى، مستمرة، لا تنقضي، بل تمتد عبر الازمان، تتجدد، تبقى حية، وتنمو باستمرار في الوعي الجمعي.  

الفهم الأعمق، إذًا، لمغزى كربلاء يتبلور باستمرار مع مرور الزمن، فيضيف إلى فهمنا طبقات معرفية جديدة باستمرار، تنمو وتتشكل بمرور الوقت، والأحداث، والأجيال، والأبطال. فكتابة تاريخ كربلاء في زمننا الراهن لا تعني مجرد سرد الحدث كما وقع، بل تتضمن أيضًا استيعاب ماهية هذا الحدث في سياق حاضرنا المتغيّر. هكذا أصبحت كربلاء ساحة فكرية، ثقافية، كفاحية، وأخلاقية مفتوحة باستمرار، تتجدد وتتفاعل مع كل لحظة من الزمن، ومع كل حدث في الحاضر. فمغزى كربلاء ليس ثابتًا أو حتميًا أو نهائيًا ولا يمكن ان يكون. هي تجربة إنسانية متجددة تتجسد حتى في تجارب الأفراد والجماعات الذين لم يعيشوها، تتجسد في المفاهيم الإنسانية الكبرى والقيم النبيلة كالعدالة، التضحية، والشهادة، والفداء التي تتنقل عبر الزمان والمكان. كربلاء هي مرآة حية تستدعي التجديد في كل مرة نستدعيها أو نفكر بها ونحاول فهمها ونعمل على تفسيرها. وعليه، يتوجب تفكيك هذا الرمز الهائل باستمرار، وإعادة قراءته على ضوء التحولات والأحداث المعاصرة. ما نعرفه اليوم عن كربلاء، وما نشهده من آثارها، هو في حالة حركة مستمرة وقد يتغير مع الزمن، تمامًا كما يتغير فهمنا لها بمرور الأيام. 

3
نصر الله: حسين عصرنا

من المبكر، إذًا، كتابة تاريخ كربلاء، فلم يكن لأحد أن يعلم أن سرديتها، ومفاعيلها، ومعانيها، ورمزيتها، وتضحيات أبطالها، وحتى بعض أدق تفاصيلها ستمتد الى لبنان وفلسطين واليمن، بل وحتى الى كل العالم. لم يكن أحد ليعلم ليس فقط أن فصولًا جديدة من كربلاء ستكتب منذ منتصف القرن العشرين (مع نكبة فلسطين) ونهايته (المقاومة الإسلامية في لبنان) وبداية القرن الحادي والعشرين (الإبادة في غزة). فمع غزة، ومع لبنان، ليست كربلاء حدثًا ماضيًا بالضبط، بل فعل مستمر أيضًا. ليست قصة نجاح فقط، رغم خلودها، بل قصة ثبات مذهل لم نكن نحتاجه في تاريخنا مثل حاجتنا إليه هذه الأيام، أو مثل ما احتجناه، كعرب ومسلمين، منذ بداية الهجمة الغربية الصهيونية على بلادنا. ليست قصة للذاكرة بالضبط، بل سردية للحركة والإلهام والمستقبل. عبرة كربلاء العظيمة: أن تعمل على تغيير العالم، وأيضًا أن لا تدعه يُغيّرك. عبرة كربلاء أنك يمكن أن تنتصر برغم استشهادك: "نحن لا نهزم. عندما ننتصر، ننتصر، وعندما نستشهد، ننتصر"، هي عبارة كربلائية بإمتياز (3)، "فإن نهزم فهزّامون قدْمًا، وإن نهزم فغير مهزمينا". خلف كل ذلك كان رجل لا يضاهى، ليس كمثله أحد، اسمه السيد حسن نصر الله.  

من المبكر كتابة تاريخ كربلاء، ليس فقط لأنها لم تنته في ذلك اليوم الدامي والمؤلم والحزين من المحرم سنة ٦١ للهجرة، بل لأنها بالضبط بدأت في ذلك اليوم. فالعاشر من المحرم كان البداية، اللحظة التأسيسية، لا النهاية لحدث لا يزال إدراكنا له، وحاجتنا لفهمه، يتصاعد كل يوم. والأهم، أنه أصبح مصدر إلهام وحاجة في مواجهة تحديات الحاضر. فبعد أربعة عشر قرنا على استشهاد الإمام الحسين، أخذ شهيدنا الأقدس، السيد حسن نصرالله، ورفاقه المقاومون بناصية كربلاء، بكل ثقلها التاريخي ومعانيها ورموزها وبطولاتها، واستلهمها في معارك الأمة الكبرى، لا ليكتب فصولًا جديدة من فصول القصة العظيمة فقط، بل وليعطي هذه الأحداث والتحديات الكبرى معناها الحقيقي، ومعناها الثوري، وليعطي المقاومة منطقًا محليًا أصيلًا وهوية تشبهنا، مشتقة من تاريخنا وحضارتنا وثقافتنا وعقيدتنا، لم تعرف المقاومة العربية والإسلامية مثلها من قبل. هكذا، ولهذا، صمدت، وهكذا، ولهذا، انتصرت، المقاومة. هكذا، ولهذا، فعلًا وحقًا تحرر لبنان في أيار ٢٠٠٠. وهكذا، ولهذا، أيضًا كان انتصار تموز ٢٠٠٦، وهكذا أيضًا كان الصمود الأسطوري في أولي البأس ٢٠٢٤- هذا فصل كربلائي من الملحمة الكبرى لم يكتب تاريخه بعد ولم نعرف عن بطولاته بعد-. هذه كانت فصولًا من قصة كربلاء وامتدادًا لها، ولم يكن الصمود المدهش للمقاومين والانتصار فيها أيضًا ممكنين أبدًا لو لم تكن كذلك.   

كربلاء كانت بوصلة توطين المقاومة التي قادها الشهيد نصرالله ليؤسس لشعوبنا وأمتنا مقاومة تشبهنا وتشبه بلادنا وأمتنا وتاريخنا وثقافتنا وحاضرنا. مقاومة غير مستوردة وغير مترجمة. لم يكن هذا مجرد جواب على سؤال الهزائم السابقة فقط، بل خارطة طريق أيضًا نحو الانتصار في المستقبل. فلم تكن المقاومة العربية والإسلامية في كل تاريخنا الحديث محاصرة إقليميًا ودوليًا بقدر ما كانت منذ عام ١٩٨٢، ولكن برغم ذلك، لم تصمد المقاومة العربية والإسلامية، ولم تحقق انتصارات في كل تاريخها الحديث مثل ما فعلت منذ ١٩٨٢. ومنذ تسلم السيد الشهيد الأمانة العامة، كان العالم يعيش حالة ردة ثورية واستسلام للقوة العظمى التي أعلنت في تلك السنة بالذات "نهاية التاريخ" وانتصارها المطلق والنهائي.  ومنذ تسلم الشهيد الأقدس الأمانة العامة، كانت المنظومة الإقليمية والعربية تعيش حالة من الردة والتراجع والتفكك والتطبيع. ولكن برغم ذلك، لم تصمد المقاومة العربية والإسلامية، ولم تحقق انتصارات كتلك التي حققتها بقيادة الأمين نصرالله. لهذا بالضبط، نصر الله رجل وقائد لا يضاهى.

لكن السيد أيضًا، كان أمينًا جدًا على معنى القصة، فلم يكتف بهذه الفصول. فكل أرض كربلاء. لهذا، في أيار ٢٠٠٠، وقفت الأمة كلها خلفه على بوابة فاطمة، تنظر فترى فلسطين، التي كانت تبدو للمتخاذلين والمهزومين بعيدة جدًا جدًا، قريبة جدًا جدًا. كنا نراها بعين كربلائية، ذات العين التي رأت بوابة فاطمة محررة قبلها بسنين وقريبة جدًا جدًا في الوقت الذي كانت تبدو للمهزومين والمتخاذلين بعيدة جدًا جدًا. فبعد أن غرقت الأمة كلها في قعر هاوية "العدو الذي لا يقهر"، كانت دروس كربلاء وروح كربلاء، كما استلهمها سيد المقاومة والشهداء وعلّمها لأمة كاملة، الرافعة من تلك الهاوية السحيقة جدًّا. كان الدرس الأهم: كما كانت كربلاء طريق الانتصار والتحرير في لبنان، ستكون طريقنا الى التحرير والانتصار في الى فلسطين. طريق الانتصار هي طريق الحسين وطريق نصرالله: "إنّ طريق فلسطين، يا شعب فلسطين، إن طريقكم إلى الحرية، هو طريق المقاومة والانتفاضة، المقاومة الجادة والانتفاضة الحقيقية، لا الانتفاضة في إطار أوسلو، ولا الانتفاضة في خدمة المفاوض المتنازل في ستوكهولم.. الانتفاضة والمقاومة التي لا ترضى إلا بالحق كاملًا كما في لبنان. في لبنان: كل لبنان يرفض أن يبقى جزء بسيط من أرضه تحت الاحتلال. هذا النموذج اللبناني الراقي نقدّمه لشعبنا في فلسطين" (4) .

4
نحن شيعة علي
غزة هوية عصرنا

ومع الشهيد نصر الله، أصبحت كربلاء، أيضاً، نداء عالميًا، من أجل غزة ومن أجل فلسطين. أصبحت استدعاء (5) لكل عربي ومسلم، ولكل إنسان في العالم، ليرى نفسه جزءًا من معركة إنسانية كبرى أخرى مستمرة، بدل أن يكون مجرد مشاهد سلبي. أصبحت استدعاء لكل انسان ليدرك من هو، من يكون فعلًا، وأيضًا من يريد أن يكون حقًا، وأي نوع من البشر يريد أن يكون من جديد. هكذا أصبحت كربلاء، في خطاب الشهيد الأقدس هوية عصر كامل، هوية فردية وهوية جماعية، وأصبح كل إنسان مقاوم محتمل، وريث محتمل للحسين الشهيد وأنصاره. فسردية كربلاء على لسان الشهيد نصر الله، وتحديدًا في سياق المعركة من أجل غزة، ومن أجل تحرير فلسطين، تعيد توجيه بوصلة الإنسان ليس في بلاد العرب والمسلمين، بل وفي كل هذا العالم، تعيد سرد التاريخ كخطاب ونداء راهن وفي الحاضر، وتضع الجميع في قلب المشهد التاريخي الحسيني، ليدرك التاريخ الحقيقي، ويفهم الحاضر، والأهم أن يقرر مكانه. 

ومع الشهيد نصر الله، ومن على منبره الحسيني (وأينما تحدّث كان منبرًا حسينيًا)، كنا نرى هذا الاستدعاء المقاوم وبناء الهوية المقاومة في أبهى صوره. هنا، تجلت قدرة الاستدعاء على إعادة بناء الهويات، ليس فقط في السياق الفلسطيني أو اللبناني أو حتى العربي، بل على المستوى الأوسع للإنسانية، حيث يُصبح كل فرد جزءًا محتملًا من معركة كبرى ضد الاستبداد والظلم والإبادة، فبدأنا نعرف أنفسنا أفضل، كلما خاطبنا الأمين، وكما كان يخاطبنا الأمين، الذي جعل من المقاومة عقيدة إنسانية وجودية. 

ربما لم يكن ذلك في أي مرة أوضح من إعلان السيد الشهيد في يوم القدس عام ٢٠١٣: "نحن شيعة علي بن أبي طالب لن نتخلى عن فلسطين" (6). يومها، كان السيد الشهيد يعيد تشكيل هوية كل مسلم وعربي وفق متطلبات الصراع الأساسي والقضية المركزية، فلسطين. لم يحدث في كل تاريخ الصراع العربي الصهيوني أن استطاع قائد عربي أو مسلم أن يعيد تشكيل هوية الأمة بهذه الطريقة العبقرية. لم يحدث في كل تاريخ الصراع العربي الصهيوني أن استطاع قائد عربي أو مسلم أن يضع فلسطين، القضية المركزية للامة، في قلب الهوية الفردية والجماعية، وأن يعيد تعريف معنى الوجود الفردي والجماعي بربطه، وبوضوح مدهش، بالتحدي الأكبر الذي تواجهه الأمة. ثم كانت معركة الإسناد، وكانت أولي البأس وأثبت المقاومون بقتالهم العدو المسلح بكل تقنيات وأسلحة ودعم المنظومة الغربية كلها، ومنعه من التقدم وإبقائه على حدود قرى الحافة لشهور أن من كان يقاتل هناك هي تلك الهوية المقاومة التي أسس لها السيد الشهيد.

أن تصبح غزة هويتنا، أن تصبح هوية كل العرب والمسلمين والمستضعفين، هو الفصل الجديد من القصة المتجددة أبدًا لكربلاء. كان فصلًا بطوليًا، مذهلًا في التضحية والفداء لأن بطله كان أيضًا رجلًا مذهلًا، استثنائيًا، ولا يضاهى.  

فمع بداية حروب الإبادة في فلسطين، بدأ فصل جديد آخر من فصول كربلاء، ربما أشد وضوحًا من كل ما سبقه في كل تاريخنا الحديث، يُكتب هذه المرة في فلسطين، ولبنان واليمن، وكان حسين هذه الكربلاء، بطلها، قائدها، رمزها، وشهيدها الأغلى والأقدس، هو السيد حسن نصر الله. فالسيد الشهيد لم يكتب فقط تاريخًا جديدًا، مذهلًا، استثنائيًا، وملهمًا، من البطولة والتضحية والفداء، بل وأضاف كذلك طبقات جديدة واستثنائية من الفهم والإدراك لهذه الملحمة التاريخية العظيمة، ليضيء لنا بدمه الشريف طريق القدس وطريق فلسطين. كان بذلك ليس فقط القائد العربي والمسلم الاستثنائي فقط، وليس فقط الأكثر تعبيرًا عن الشخصية العربية والإسلامية، أو حتى الخلاصة الأنقى والأطهر والأجمل لحضارتنا العريقة وثقافتنا الأصيلة وقيمنا العظيمة، وعقيدتنا الثورية، وتاريخنا الطويل، بل، وكذلك، الأكثر شبهًا بأجداده، من النبي الكريم، الى الإمام علي داحي باب خيبر، والسبطين الشهيدين، والأئمة من آل محمد. فكما طبع كل منهم ودمغ عصره كله بشخصيته واستثنائيته وفرادته، وكما ترك كل منهم أثره على الأمة وعلى أجيال كاملة، كذلك كان السيد نصر الله. ففي حياته وفي استشهاده ترك أثره ليس فقط على كل حاضر الأمة، بل وعلى مستقبلها. فأن تكون كربلائيًا يعني أن تعيش أبدًا.

[1] قرآن كريم (القصص ١٥)

[2] Benjamin, W. (2016). On the Concept of History. (n.p.): Createspace Independent Publishing Platform.

[3] صفحة تويتر تلفزيون المسيرة

[4] https://mediarelations-lb.org/post.php?id=1564

[5] "Interpellation كما يصف الفيلسوف الفرنسي لوي التوسير "

Althusser, L. (2017). ‘Lenin and Philosophy and Other Essays’. United Kingdom: Verso.

[6] https://www.youtube.com/watch?v=jOJMqIDj3Oc&t=2s

الكلمات المفتاحية
مشاركة