اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

المقال التالي ناصر الدين في مؤتمر وزراء الصحة لدول منظمة التعاون الإسلامي: الصحة مسؤوليتنا المشتركة

مقالات

الحصاد الإستراتيجي بعد عامين من الطوفان
مقالات

الحصاد الإستراتيجي بعد عامين من الطوفان

91

بعد عامين من طوفان الأقصى وما شهدته هذه المعركة المفصلية من آمال وآلام وانتصارات وانكسارات، تثبت يومًا بعد يوم رؤية سيد شهداء الأمة السيد حسن نصر الله والتي لفت إليها في خطاباته عندما قال إن المعركة في غزّة اليوم فاصلة وحاسمة وما بعدها ليس كما قبلها، ويجب على كلّ حر في العالم تحمل المسؤولية تجاه غزّة وعلى جميع الدول العربية أن تعمل كلّ ما بوسعها لوقف العدوان "الإسرائيلي" وأن تنتصر المقاومة في غزّة لأن هذا الانتصار مصلحة وطنية لجميع الدول العربية.

وكل جملة قالها سيد شهداء الأمة في هذه الفقرة الصغيرة يجب التوقف أمامها بالتأمل والتحليل، لأن العدوّ وراعيه الأميركي قد أعلنا عن مشروع "إسرائيل الكبرى" تزامنًا مع المعركة وهو ما يعطي الهيمنة الأميركية على العالم رافدًا رئيسيًا من روافد توحش الهيمنة في كافة جبهات الصراع العالمي، سواء في آسيا أو أوروبا أو أميركا اللاتينية، وهي مسؤولية أحرار العالم جميعًا من مناهضي الهيمنة.

كما أن مشروع ""إسرائيل الكبرى" هو مشروع احتلال وهيمنة على كافة دول الطوق وعلى امتداد جميع الدول العربية، وبالتالي هو مساس بالأمن القومي لجميع الدول العربية ومصالحها الوطنية.

وقد ثبتت مصاديق هذه الرؤية بالعدوان على قطر والتهديدات المستمرة بالتهجير إلى سيناء والأردن، وتهديدات العدوّ الفاجرة بأن اليد الطولى للكيان ستصل إلى أي بلد ترى "إسرائيل" فيه تهديدًا.

وبعد عامين تحاول أميركا بالسياسة انتزاع ما فشلت به بالحرب، وتحاول انتزاع استسلام جماعي عربي واعتراف وتطبيع مع "إسرائيل الكبرى" وليس فقط اعتراف بالكيان والتطبيع معه.

وللوصول لتقييم موضوعي صحيح لحصاد عامين من الحرب، فإن الأمر يتطلب النظر بعين أخرى غير لغة الإحصائيات للخسائر والضحايا والدمار، وهي عين الحصاد الإستراتيجي لأنه هو الفيصل في مسار النصر النهائي والتحرير.

وقبل الخوض في رصد معالم هذا الحصاد الإستراتيجي يجدر ذكر بعض المعلومات ذات الدلالات الكاشفة:

أولًا: ورغم حرب الإبادة الشاملة واليد الطليقة للعدو ورغم ترويجه للسيطرة على نحو 70 % من غزّة، فإن المفاوضات تدور حول الأهداف الرئيسية للحرب وهي تحرير الأسرى ونزع سلاح المقاومة وهو ما لم يحدث بعد عامين.

ثانيًا: رغم انتهاكات العدوّ اليومية لوقف إطلاق النار في لبنان وترويج العدوّ لمزاعم كاذبة بأن المقاومة في لبنان قد هزمت، فإن الضغوط كلها تدور حول نزع سلاح المقاومة، وحسب معطيات مديرية النقل في شمال فلسطين المحتلة، فإن 51 في المائة من البلدات عاد فقط نصف سكانها، وفي 11 في المائة منها لم يعد سوى أقلية، مثل المطلة والمنارة و"شتولا"، التي عاد أقل من ثلث السكان إليها.

وبالتالي نحن أمام مكاسب تكتيكية صهيونية تتعلق بتغيير مؤقت لبعض المعادلات وقواعد الاشتباك، ولكنها لا تعبر عن انتصارات إستراتيجية طالما احتفظت المقاومة بسلاحها وخيارها وإرادتها.

وهنا، فإن رصد الحصاد السياسي والإستراتيجي يتطلب تحليلًا من منظور الأمن القومي الشامل وفهم مكوناته الأساسية، والتي لا تقتصر على الجانب العسكري فقط، بل تتكوّن من أركان مترابطة يمكن رصدها في سبعة عناوين رئيسية وهي:

1. الأمن العسكري/الدفاعي، والمتعلّق بقدرة الدولة أو التنظيم على حماية أراضيه وسكانه من العدوان الخارجي والتهديدات المسلحة.    
2. الأمن السياسي، والمتعلّق باستقرار النظام السياسي، وشرعيته، وتماسكه الداخلي وقدرته على اتّخاذ قرارات سيادية مستقلة.
3. الأمن الاقتصادي، والمتعلّق بقدرة المجتمع على تأمين احتياجاته المعيشية والإنتاجية دون حاجة للخارج.
4. الأمن الاجتماعي، والمتعلّق بتماسك النسيج الاجتماعي، وحماية الهوية الثقافية والوطنية.    
5. الأمن المعلوماتي والإعلامي، والمتعلّق بالسيطرة على تدفق المعلومات وصورة الصراع في الفضاء الإعلامي والدبلوماسي.    
6. الأمن البيئي والإنساني، والمتعلّق بضمان سلامة البيئة والبنية التحتية والصحة العامة والخدمات.
7. الأمن الجيوسياسي، والمتعلّق بالحفاظ على التوازن الإقليمي ومجال النفوذ في البيئة المحيطة والحفاظ على التحالفات.

وبتقييم هذه العوامل الشاملة يمكننا باختصار رصد الحصاد السياسي والإستراتيجي بعد عامين كالآتي:

 - أمنيًّا وعسكريًّا، لا يستطيع العدوّ "الإسرائيلي" ادعاء تأمينه لحدوده ومستوطنيه بلحاظ العمليات الفدائية التي تحدث في قلب الكيان، وبلحاظ اختراق الصواريخ والمسيرات اليمنية لـ"إيلات" و"تل أبيب"، وبلحاظ خوف الصهاينة من العودة إلى المستوطنات المحيطة بغزّة ومستوطنات الشمال على الحدود مع لبنان.

 - سياسيًا، لا يوجد استقرار بالكيان وهناك صراع كبير داخل الائتلاف اليميني الحاكم نفسه وخلاف بين الحكومة وجيش الاحتلال، وبين المعارضة والحكومة، ولا توجد رؤية موحدة، ناهيك عن تبادل الاتهامات والتشهير المعلن بين السياسيين.

 - اقتصاديًا، فإن الكيان مرتهن تمامًا للخارج، وتم فرض حصار بحري عليه، وضرب البنية الاقتصادية الإستراتيجية الواعدة التي روج لها الكيان باحتضان الشركات الناشئة وإقامة وادي السليكون الصهيوني، بسبب النجاح المتكرّر لجبهات المقاومة في لبنان واليمن وإيران في قصف العمق الصهيوني ومنطقة "غوش دان" أو "تل أبيب" الكبرى التي تعدّ موطن هذه البنية الاقتصادية الإستراتيجية، ناهيك عن ضرب السياحة باستهداف "إيلات" وسواحل فلسطين المحتلة على البحر المتوسط.

 - على صعيد الأمن المجتمعي، فإن الثقة بين المجتمع الصهيوني وحكومته لحق بها دمار شامل بعد استهانة الحكومة بأرواح الأسرى وإبقاء حالة الحرب والرعب داخل الكيان، ودخول مئات الآلاف إلى الملاجئ بشكل يومي، وهو ما عكسته أرقام الهجرة والفرار المتكرّر إلى قبرص وغيرها وعدم رغبة الآلاف في العودة.

 - على صعيد الأمن المعلوماتي والإعلامي، فإن "إسرائيل" خسرت في معركة الرأي العام وخسرت سردية المظلومية التاريخية وأصبحت علنًا دولة مارقة لا تلتزم بالقانون الدولي والإنساني، كما أنها تعرضت لاختراقات سيبرانية ومعلوماتية واسعة النطاق استطاعت المقاومة عبرها تنفيذ عمليات نوعية كبرى، إضافة إلى الثقة التي اهتزت في الاستخبارات مع تنفيذ عملية طوفان الأقصى وهي غير قابلة للترميم على الأقل في المديات المنظورة.

 - على مستوى الأمن البيئي والخدمات، فالتقارير في الكيان حافلة بالغلاء وعدم انتظام الدراسة، وسوء حالة الملاجئ وانعدام وجودها في مناطق عديدة وكذلك تراجع الخدمات الصحية وغيرها.

 - جيوسياسيًّا، فقد أصبح العدوّ رسميًّا بإعلانه لمشروع "إسرائيل الكبرى" خصمًا وليس حليفًا، وتحولت الدعاوى إلى التطبيع إلى مساحيق تجميل للإذعان والتأقلم المذل، وبات العديد من الدول الحليفة تاريخيًّا للكيان في وضع حرج أمام الشعوب الغاضبة والمتعاطفة مع غزّة والقضية الفلسطينية، وحتّى الراعي الأميركي والقائد الفعلي للعدوان بدا بحاجة إلى ارتداء أقنعة لتصدير خلافات وهمية للنأي بالنفس عن جرائم الإبادة.

باختصار شديد، فإن عامين من الحرب قد شكلا محطة تاريخية كاشفة لنوايا الكيان الصهيوني الحقيقية بالهيمنة والتوسع ووهم السلام المزعوم، وكذلك كشف حقيقة أميركا وأنها ليست وسيطًا بل هي طرف وقائد لحرب الإبادة وليس لها حلفاء أو أصدقاء سوى الكيان، كما كشفت هذه المحطة عجزًا وتخاذلًا عربيًا وخيانة مكشوفة من بعض الأنظمة بعد اختبار الإبادة والاذلال المعلن للأنظمة الرسمية ورسوبها في المواجهة وتوقيعها على صكوك الاستسلام لأميركا والكيان، بينما كشفت الحرب على مدى عامين صمود المقاومة واحتفاظها بتنظيماتها وسلاحها والأهم إرادتها وخيارها المقاوم، ولا تزال الحرب مفتوحة ولا يزال الصراع وجوديًّا.

الكلمات المفتاحية
مشاركة