نقاط على الحروف

عينت الولايات المتحدة الأميركية سفيرًا جديدًا في لبنان ذا أصول لبنانية. مايكل عيسى رجل أعمال ومصرفي سابق لأكثر من عشرين عامًا، يتاجر بأشهر السيارات العالمية مثل "بورش"، وبلغت واردت مبيع شركة "نيوتن" خلال إدارته 35 مليون دولار أميركي. خلفية السفير الجديد تنبئ باستكمال خطة نشر رجال الأعمال في مناطق الاستثمار الترامبية في منطقتنا وحول العالم. والدليل تم تعيين توم برّاك سفيرًا في تركيا، وهو مستثمر عقاري بقيمة مليار دولار في "الشرق الأوسط"، وتشارلز كوشنر في فرنسا، مستثمر عقاري تقدر ثروته بـ 7.1 مليار دولار. ولكن، كيف يرتبط هذا بتعقيدات "القادمين" ومن يدير شؤونهم؟
ملفت تعيين ترامب وبشكل مطرد لأشخاص يشبهون أصهرته، من يهود أميركيين، لإدارة المصالح الأميركية حول العالم. وهذا ما شهدناه عندما عين صهره جاريد كوشنر وغيره من اليهود الصهاينة كمستشارين، واليوم عين والد صهره اللبناني الأصل، مسعد بولس، في منصب كبير مستشاريه للشؤون العربية والشرق أوسطية. بعدما لعب الأخير الذي تبلغ قيمة ثروته نحو مليار دولار، دورًا هامًا في حشد الجالية العربية وخاصة في ميشيغان لصالح ترامب خلال الانتخابات الأخيرة.
بالتأكيد، يحتاج ترامب دعم رجال الأعمال وبالتالي تبنى العلاقة بينهم على أساس المنافع المتبادلة، ويرى الشرق بعيون الصفقات والاستثمارات العقارية والنفطية، ويأمل بالتفرد بمشاريع إعادة الإعمار في سورية ولبنان وفلسطين. فأهم المستثمرين العقاريين في فلسطين هو صهر ترامب، غاريد كوشنر، مالك شركة "كوشنر بروبيرتي" وعراب اتفاقيات التطبيع مع دول عربية خلال حكم ترامب ما بين 2017 - 2021. وتسلم هؤلاء مفاتيح هامة في السياسة الخارجية الأميركية. وأما توم برّاك، فهو يعرف ترامب منذ العام 1987، وتعززت الصداقة بينهما أيضًا عبر العلاقات العائلية والمصلحية منذ العام 1991، وهو من قدم ترامب لأمراء السعودية فعلاقته معهم جذورها بدأت منذ سبعينيات القرن الماضي.
يلعب صهاينة أميركا من اليهود وبصفتهم مبعوثين أو مستشارين إلى الشرق دورًا كمؤتمنين على مصالح الكيان العبري، واليوم المبعوثون الخاصون إلى "الشرق الأوسط"، هم من اليهود الصهاينة، ستيف ويتكوف، الذي كان يدير شؤون ترامب الضريبية، ونائبته مورغان اورتاغوس، ربيبة أشهر قاضية امرأة وصلت إلى المحكمة العليا الأميركية، اليهودية روث بادر غينسبرغ. أما الخبراء ذوو الأصل اللبناني فيقومون بدورهم إلى أبعد الحدود، يديرون مصالحهم بحرفية وعلاقاتهم مع لبنان، والأحزاب المسيحية فيه، وخصوصًا مع "القوات اللبنانية" عبر "الجمعية الرسولية المارونية" في الولايات المتحدة، والتي ساهم أعضاؤها باستصدار القرار الأممي 1559، الذي طالب بتدخل دولي لانسحاب الجيش السوري من لبنان، ومعه ابتدأت الحرب الشعواء ضدّ المقاومة في لبنان.
في آخر زيارة لبرّاك جاء برفقة أورتاغوس ووفد من مجلس الشيوخ الأميركي، وكشف الوجه الحقيقي لمن يتولون ملف العراق وسورية ولبنان في الولايات المتحدة. فقد تشكّل الوفد المرافق من الحزبين الجمهوري والديمقراطي من أعضاء الكونغرس، اثنان من مجلس الشيوخ الأميركي هما: ليندسي غراهام، مترأس الوفد، والسيناتور جين شاهين وعضو مجلس النواب الأميركي جو ويلسون. والزوار الثلاثة أعضاء في لجنة شؤون العلاقات الخارجية. غراهام يرأس لجنة تأمين الأموال للمساعدات الأجنبية، وهو قال سابقًا أن لا مساعدات للبنان ما دام السلاح موجودًا. أما شاهين "الديمقراطية" فهي ما تزال تحتفظ بموقعها في اللجنة، التي عزلت منها إلهان عمر الداعمة لفلسطين بسبب تصريحاتها ضدّ جرائم الكيان، بحجة أنها ترسل رسالة قوية معادية للسامية.
غراهام، رئيس الوفد إلى لبنان، خدم في الجيش الأميركي كمستشار قانوني في أفغانستان والعراق. في 12 أيار/ مايو 2024، انتقد غراهام بايدن لإيقافه تسليم ثلاثة آلاف قنبلة ثقيلة للكيان الصهيوني، لأن ذلك يضر بسمعة أميركا كصديقة له. ودعا لمنح الصهاينة الإمكانيات لقصف غزّة بالقنابل النووية، لأن ما حدث يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر يشبه الحرب العالمية الثانية.
عمل جو ويلسون محاميًا لقاضي الأركان في الجيش الأميركي. وهو عرّاب "قانون قيصر"، الذي أنهك الاقتصادين السوري واللبناني، ويعمل لرفعه خلال هذا العام متفاخرًا بإسقاط النظام المقاوم في دمشق. وتوعد أن: "لا تسامح مع هجمات الميليشيات على قواتنا وشركات النفط في كردستان العراق"، ويقصد الحشد الشعبي العراقي، كما أنه وزميليه لم ينسوا من قتل الجنود الأميركيين في العام 1982.
ينتمي القادمون الثلاثة لمجموعة ما يسمّى [WASPs]، ومعنى الاختصار "الدبابير". مجموعة الحروف اختصار لمن يصنّفون بـ[البيض الأنغلوساكسون البروتستانت]. وهم قادمون من ولاية كارولينا الجنوبية، أحد معاقل الدبابير التي انتخبت دونالد ترامب، ومن أكبر داعمي العودة إلى "أرض الميعاد"، ومرتبطون ارتباطًا وثيقًا بالصهيونية العالمية. وكدبابير يؤمنون بأن قدوم المسيح عليه السلام لن يكون قبل إقامة "دولة اسرائيل" الآمنة وبناء الهيكل المزعوم ليبدأ منه حكم العالم. وهم حرفوا المبادئ الأخلاقية والدينية لـ"عودة المخلص"، لتصبح رمزًا ماسونيًا تغدو فيه المنطقة مركزًا تجاريًا ماليًا يدار عبره العالم.
بعد الحرب العالمية الثانية، انهارت أوروبا بشطريها الغربي والشرقي اقتصاديًا وعمرانيًا، فتم إعادة بناؤها بواسطة قروض منحها البنك الدولي، وتحقق الهدف بالسيطرة على العالم المتنازع عبر السيطرة على مخلفات النزاع من ديون وخاصة تلك التي تتعلق بإعادة الإعمار. ولذا شهدنا يومها اعترافًا سوفييتيًا بالكيان المارق، وهذا ليس صدفة، فهكذا يعمل الدبابير من خلال المنظمة الصهيونية العالمية، والتي تتحكم برأس المال العالمي بوساطة البنك الدولي. صحصح تغيرت الاصطفافات خلال سنوات الحرب الباردة، ولكن سقوط الاتحاد السوفييتي أعاد ترتيب التحالفات الدولية من جديد.
بالتأكيد انضم لهؤلاء الكثيرون وإن لم يكونوا من "البروتستانت"، ومنهم جو بايدن، القائل بعد لقاء غولدا مائير في العام 1973: "إنه [الكيان] أفضل استثمار قمنا به على الإطلاق بقيمة 3 مليارات دولار"، و"لو لم تكن هناك "إسرائيل" لكان على الولايات المتحدة أن تخترعها لحماية مصالحها في المنطقة". وهو القائل: "ليس من الضروري أن تكون يهوديًا لتكون صهيونيًا"، وبالتأكيد الوصف ينطبق على المستثمرين الجدد، إذ يأتي أصهار ترامب وأصدقاؤه إلى "الشرق الأوسط" من نفس الخلفية التي عبر عنها بايدن صراحة، وبعضهم ارتبط بزعماء لبنانيين استجلبوا الشيطان للقضاء على الفلسطينيين.
واليوم يعود ترامب مع طواقمه ليبشرونا بنهاية "سايكس بيكو" وبدء عصر جديد تبدأ فيه استثمارات أميركية عبر مبعوثيها المتمرسين، فهل من يقرأ ويفهم ويتعظ؟