اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

المقال التالي الخطيب: الشيعة في لبنان يحملون مشروعًا وطنيًا يرتكز على الاندماج في النسيج الوطني

مقالات

بين الإبادة البشرية والإبادة الثقافية.. هل حقق كيان العدوّ أهدافه؟ 
مقالات

بين الإبادة البشرية والإبادة الثقافية.. هل حقق كيان العدوّ أهدافه؟ 

112

من بين أطول وأخطر الصراعات التي تخوضها الأمة هو الصراع مع الكيان "الإسرائيلي"، وهو الصراع المستمِّر منذ تشكُّل الحركة الصهيونية في سنة 1880 ميلادية والتي اتخّذت بداية اسم "عشاق صهيون" لنكون بعدها أمام المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بازل السويسرية سنة 1897 ميلادية والذي تسرّبت عنه فيما بعد مخطّطات أقّل ما يقال فيها إنها جهنّمية.

من بين التوصيات التي اتفق عليها الصهاينة وتحديدًا منهم اليهود الغربيون ضرورة استبدال فكرة السيطرة على فلسطين بالوسائل المدنية السلمية بالسيطرة العسكرية المسلّحة.
قبل الخوض في الموضوع لا بدّ من الإشارة إلى أن السيطرة بالطرق السلمية تمثّلت بالهجرة إلى فلسطين حيث بدأت موجات الهجرة الأولى بين عامي 1882 و1903 ميلادي أي بعد عامين من تأسيس زمرة "عشاق صهيون" والتي يُطلق عليها البعض مسمّى "أحباب صهيون".
الموجة الأولى كانت عبارة عن يهود غالبيتهم من المزارعين هاجروا من دول أوروبا الشرقية بتشجيع ودعم الأثرياء اليهود وبإشراف الحركة الصهيونية التي تفرّع عنها ما يُسمّى بـ"الوكالة اليهودية" التي توّلت تنظيم هجرة اليهود إلى فلسطين. 
حتّى سنة 1903 لم يكن عدد المهاجرين اليهود إلى فلسطين يتجاوز الـ30 ألفًا بحسب بعض المصادر والـ 40 ألفًا بحسب مصادر أخرى. 
موجات الهجرة الأوسع جاءت بين عامي 1919 و1948 ميلادي، فقد تم دمج "وعد بلفور بصك الانتداب البريطاني على فلسطين" الذي نصت المادّة السادسة منه على أن الإدارة البريطانية سوف تلتزم بتسهيل الهجرة اليهودية بشروط مناسبة، وسوف تشجع بالتعاون مع الوكالة اليهودية استيطان اليهود في الأراضي بما في ذلك الأراضي الحكومية والأراضي الخالية وغير اللازمة للاستعمال العام. 
وممّا سهّل الأمر القرارات الصادرة عن اجتماع كامبل بنرمان رئيس وزراء بريطانيا مع ممثلي دول أوروبية والقاضي بضرورة زرع جسم غريب في قلب العالم العربي.
هذا العرض التاريخي السريع الهدف منه استعادة بعض ممّا مرّ في تاريخ الصراع مع الكيان "الإسرائيلي"، وخصوصًا بداياته المرتبطة بعنصر الهجرة إلى فلسطين كأحد العناصر التي باتت تعمل لغير مصلحة الكيان وهو ما سنستعرضه في خاتمة النص. 
على المستوى المرتبط بالمواجهة المستمرة وهو ما أشرت إليه في بداية النص عندما قلت من أخطر الصراعات التي تخوضها الأمة ولم أقل خاضتها لأننا لا زلنا في المواجهة التي تخلّلها مجموعة من المعارك خسرنا بعضها وربحنا بعضها وهو ما حسم البعض أمرهم به بأن ما حصل منذ "طوفان الأقصى" هو هزيمة نهائية لمحور المقاومة ويبنون عليه، والبعض هنا ليس العدوّ فقط بل الكثير ممّن يكنّون العداء لكل من يقاوم لدرجة أنّ بعضهم شعر بالاكتئاب لأن حماس لا تزال موجودة وأن حزب الله لا يزال موجودًا. 
وللدخول في عنوان النص لا بدّ من القول إنّ مفاهيم الحرب وأدواتها تتغيّر بين حقبة وأخرى، ففي موازاة الاستخدام المُفرط للأسلحة المعتمدة على التكنولوجيا وهي بمجملها أسلحة فتّاكة اُستخدمت بما أدّى إلى حصول إبادة جماعية ( Genocide )، برز أحد أخطر أدوات الحرب الحديثة وهو الإعلام الذي يُمَوَّل من كلّ منظومة الغرب الجماعي والذي يعتمد المسّ بالوعي ويهدف إلى تحقيق الإبادة الثقافية ( Cultural Genocide ) وهي كهدف نهائي تعتمد على خوض الحرب الإدراكية ( Cognitive Warfare ) لإيصال بيئة العدّو إلى مرحلة الانهيار الإدراكي ( Cognitive Dicline ). 
تبدو أهداف الحرب الإدراكية مفهومة للنُخب ويمكن تجاوزها من قبلهم ولكن المشكلة الرئيسية أنّ المُستهدف بهذه الحرب هم العامّة الذين يتأثرون بالخبر، وهو ما تعمل عليه أدوات العدوّ لجهة مراكمة الضغوط عبر استخدام متوازٍ للقوّة العسكرية والحرب النفسية ومحاولة إقناع العامّة بأن المعركة انتهت ولا طائل من الرهان على مكامن القوّة التي لم يعد لها أي تأثير ولا داعيَ لوجود أدوات قتالية أثبتت عدم قدرتها على تأمين الحماية وفقدت القدرة على الردع وما إلى ذلك من ضخٍّ يومي يستهدف العقول ويرمي إلى كيّ الوعي عبر فصلنا عن الذاكرة المليئة بصفحات العز والشرف والكرامة. 
الهدف المركزي لمنظومة الحرب الإدراكية هو تنفيذ أوسع عملية إبادة ثقافية وربما يجوز تسميتها بالإبادة الفكرية وهو ما يجب أن يكون مفهومًا ويجب توضيحه، فمسرح عمليات المعركة لم يعد مقتصرًا على البنادق والمدافع والطائرات بل تعداه ليصبح منظومة متكاملة تهدف إلى الإلغاء الكامل لكل المراحل التاريخية عبر تفريغ العقول من الذاكرة وإعادة حشوها بما يتناسب مع الغالب وإسقاطها على المغلوب كمُسلّمة لا عودة عنها. 
وهنا يبرز السؤال الأساسي: هل حقّق العدّو أهدافه ويجب علينا الانتقال من مرحلة الانهيار الإدراكي إلى مرحلة الانهيار التام والكامل والتسليم بما حصل كنتيجة نهائية؟.
على الرغم من الضربات الموجعة في لبنان وغزّة لا تزال المقاومة في غزّة ولبنان موجودة ربطًا بما اتفق عليه الكثير من الخبراء منذ الحرب العالمية الأولى وحتّى اللحظة بأن الحرب تُحسب بنتائجها وليس بكلفتها بدليل أنّ العدّو لا يزال يعتبر المقاومتين خطرًا كبيرًا وهو ما يطرح أمرًا يتجاهله البعض عندما يقولون إن الحرب انتهت وهو قول خاطئ والأصّح أن ما يحصل منذ ما قبل سنة 1948 هو سلسلة من المعارك من ضمن الحرب أو المواجهة المستمرة. 
والسؤال المهم أيضًا هل تضرّر العدوّ أيضًا؟.
وهنا لا بدّ من ايراد عناوين سريعة يحتاج كلّ منها إلى مقاربة واسعة ومستقلة: 
1 -     فشل التفوق العسكري والتكنولوجيا في تحقيق الأهداف المُطلقة. 
2 -     فقدان عامل التعاطف التاريخي مع العدوّ حول مسألة المظلومية والمحرقة وانعكاس المشهد حيث اضطرّ  نتنياهو للقاء 250 مؤثّر غربي ووضع موازنة بقيمة 250 مليون دولار لتحسين صورة الكيان. 
3 -     فقدان العدوّ للوظيفة التي أنشئ من أجلها وهي حماية مصالح الغرب في المنطقة وهو ما تغير كليًّا حيث جاءت أميركا والغرب منذ "طوفان الأقصى" لتحمي الكيان الذي بات عاجزًا عن حماية وجوده. 
4 -     الأمن المفقود والذي سيبقى مهما تغيرت الساحات وأخطره ليس فقط الصواريخ والمسيرات بل طعنة السكين والدهس بالسيارة وإطلاق النار من مسدس وبندقية وهو ما سيظهر وبقوة مع بدء العدوّ عملية ضم الضفّة الغربية ومناطق سيتمدد إليها في سورية ولبنان. 
أمّا وقد بدأت النص بالإشارة إلى موضع الهجرة إلى فلسطين فإن أخطر ما يواجهه الكيان هو الهجرة العكسية بسبب فقدان الثقة بالقيادة الصهيونية وبسبب الذعر والرعب المستمر وكلّ  ذلك موجود كأرقام في تقارير "إسرائيلية" وعلى صفحات مركز الإحصاء "الإسرائيلي" ومعهد دراسات الأمن القومي "الإسرائيلي". 
ختامًا: نستطيع كما يستطيع العدّو مواجهتنا بالحرب الإدراكية أن نواجهه عبر نشر ما هو مضاد ليس للتأثير على عقول الصهاينة بل لتثبيت الفكرة في عقول أهلنا كفكرة سامية ونبيلة ورثها آباؤنا من أجدادنا وورثناها منهم ونورثها لأولادنا وأحفادنا. 
الكلمات المفتاحية
مشاركة