نقاط على الحروف

يتولّى رئيس مجلس النوّاب الأستاذ نبيه برّي مواجهة الهجمة المعادية، ويلعب الدور الأكثر تأثيرًا على المستوى السياسي والدبلوماسي في هذه المواجهة التي تجري تحت نار الاعتداءات "الإسرائيلية" المتواصلة. وفيما يدفع الأميركيون باتّجاه تفاوض مباشر بين لبنان وكيان العدوّ، وإلى اتّفاق جديد تريده "إسرائيل" يؤدّي إلى إدخال لبنان في قطيع التطبيع، يصرّ الرئيس برّي على موقف سياديّ وطنيّ، بحكمة تمنع انزلاق الوضع الداخلي إلى ما يتمنّاه العدوّ، وتمنع عن الأدوات الأميركية في البلد فرصة جرّ لبنان إلى حيث يريد هوى التصهين.
موقف الرئيس برّي في الأيّام الأخيرة حيال موضوع التفاوض، ومع تصعيد لهجة التهديد الأميركي، أثار بالطبع حفيظة الوكر الاستخباراتي المتلطّي بعنوان سفارة في عوكر، ما دفع بأهل هذا الوكر إلى الإيعاز لأدواتهم باستهداف الرئيس برّي، والتطاول عليه، بطريقة غير مسبوقة، وبشكل أو بآخر، استفزاز البيئة التي يعبّر الرئيس برّي عنها ويحمل ثقتها. هذه الهجمة الداخلية على الرئيس برّي، بشخصه ومنصبه، تمثّلت في اتّخاذ الشاشات منابر تطاول على الرجل الذي يمنع قطار التطبيع من اتّخاذ سكة له في لبنان.
افتتح حفلة الزّجل رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، والذي منذ خروجه من السجن بعفو خاص، حاذر التعرّض مباشرة للرئيس برّي. لكن الافتتاح هذا جاء ارتجاليًا بداعي الاستعجال في تلبية الأمر العوكري، فاستند إلى أقوال تخيّلها جعجع بصوت برّي وردّ عليها، بأسلوب هو أقرب إلى السوقية منه إلى الحديث "السياسيّ". ردّ برّي المقتضب على الهجوم الجعجعي المبنيّ على رمال الوهم، عكس حجم ساكن معراب وخفّة وزنه في اعتبارات الرئيس. باختصار، حاول جعجع التذاكي بالتطاول والاتهامات، فجاءه الردّ الذي حجّمه: "من أين لك هذا الكلام الذي نسبته إلي؟ ألم يعد في جعبتك غير استصدار كلام عن لساني والجواب إليك!". هنا، كان لا بدّ أن يتدخّل النائب "القوّاتي" أنطوان زهرا، والمعروف بفتى حاجز البربارة، ليدلو بدلوه التطاوليّ، والذي يفاخر بسوقيّته: "بدك تشرّع تصنيع الكبتاغون وتعمل منن دخل للخزينة لتخصيصها لموازنة إعادة الإعمار؟". المشكلة أن زهرا يتغافل عن حقيقة ضبط مصانع عديدة لـ"الكبتاغون" في مناطق نفوذ "القوات"، ويحاول بالصوت العالي والكلام الفارغ التسويق لوهم يخالف الواقع الذي تؤكّده قيادة الجيش في كلّ مرّة تداهم فيها تلك المناطق.
ولمّا لم يجد زهرا ردًّا يجعل له قيمة بورود اسمه على لسان برّي، دُفع بزجّال عتيق يدّعي العمل الإعلامي إلى استهداف برّي بألفاظ مسيئة، وبأسلوب يتوخّى الاستفزاز الفارغ، ويرجو ردودًا ولو من أيّ محسوب على بيئة المقاومة، كي يقول للمقاول الذي يشغّله أنّه عنصر ناشط!.
تقوم الهجمة على موضوعين أساسين، دور الرئيس برّي في رفض الخضوع للإملاءات الأميركية "الإسرائيلية"، ومشاركة المغتربين في الانتخابات النيابية المقبلة والتي تشكّل بحسابات المتأمركين فرقًا لصالحهم، بحيث لا يُصابوا بخيبة شبيهة بتلك التي مُنوا بها في الانتخابات عام ٢٠٢٢. ويجري التركيز على فكرة عدم انتخاب الرئيس بري في رئاسة مجلس النواب في الولاية المقبلة، عبر طرح أسماء "شيعية" بمواجهته، وتأتي جميعها من الأسماء المصادق عليها في السفارة ولكنّها، ولسوء حظّ مريديها، لا تحظى بأي تمثيل أو وزن حتّى في أطرها العائلية المباشرة. ولأن أسباب هذه الهجمة ودوافعها معروفة، فهي في القياسات السياسية ترتدّ من دون جهد على مرتكبيها، تكشف ارتباطات رخيصة لا مع مبعوث أو سفير، بل حتّى مع أصغر موظف في سفارة، وتصغّرهم أكثر فأكثر! وما استخدام الأدوات الأقل تكلفة والأقلّ قيمة سوى دليل إفلاس المشغّل!.