اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

المقال التالي بالصور| بيت السيدة فاطمة الزهراء (ع) الثقافي في برج رحال يقيم حفل تكليف للفتيات

مقالات

الذهب محور الاقتصاد الدولي بنتيجة التنافس الجيوسياسي بين الغرب والبريكس 
مقالات

الذهب محور الاقتصاد الدولي بنتيجة التنافس الجيوسياسي بين الغرب والبريكس 

139

منذ فجر التاريخ، شكل الذهب رمزًا للقوة والثراء والاستقرار. من عملات الإمبراطورية الرومانية الذهبية "الأوريوس"، إلى كنوز العالم الجديد التي مولت صعود إسبانيا كأول قوة استعمارية كبرى، ظل الذهب مرادفًا للنفوذ الاقتصادي والسياسي. واليوم يعود هذا المعدن الأصفر إلى واجهة المشهد المالي العالمي بقوة غير مسبوقة، إذ تجاوزت أسعاره 4300 دولار للأونصة، وهو مستوى لم يسجله في تاريخه الحديث. 

من الملاذ الآمن إلى سلاح مالي مضاد

تشير التقارير الاقتصادية إلى مسؤولية الصين عن الارتفاع الكبير في أسعار الذهب، إذ إن بكين تعمل من ضمن إستراتيجية لبناء "جدار ناري" في مواجهة سعي الولايات المتحدة "لتسليح الدولار" واستخدامه كسلاح ضدّ خصومها الجيوسياسيين عبر سياسة العقوبات التي تنتهجها. فبعد أن جمدت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في العام 2022 نحو 500 مليار دولار من الاحتياطيات الروسية عقب إطلاق موسكو للعملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا، أدركت موسكو وبكين وغيرهما من العواصم أن الاحتياطات بالدولار لم تعد آمنة. 

ويعتبر الخبير المالي سيمون راي في مقابلة مع موقع "ياهو فاينانس" أن هذا شكّل درسًا هامًا لبكين التي باتت تعي أهمية الذهب الذي لا يمكن تجميده ولا يمكن فرض عقوبات عليه بما يجعله يشكّل جبهة حماية في مواجهة الدولار والعقوبات الغربية. 

هذا ما دفع بالصين إلى زيادة مشترياتها من الذهب ما رفع احتياطياتها منه إلى أكثر من 2300 طن وفقًا لبيانات مجلس الذهب العالمي، علما أن بكين لم تكن وحيدة في هذا التوجّه إذ إن موسكو وانقرة ونيودلهي وغيرها من العواصم غير الغربية سعت إلى تشكيل احتياطات كبيرة من الذهب. 

ووفقا لتقارير دولية فلقد اشترت البنوك المركزية حول العالم أكثر من 1,200 طن من الذهب خلال العام الجاري ما شكل أعلى نسبة شراء للمعدن الأصفر خلال نصف قرن. ويشير الخبراء في وكالة بلومبرغ إلى أن هذا يعكس رغبة الدول الناشئة في تنويع احتياطاتها بعيدًا عن الدولار واليورو، والعودة إلى الذهب كأصل سيادي مستقل. وما يدعم هذا التوجّه هو قناعة الدول غير الغربية في دور الذهب أداة لتثبيت الثقة في العملات المحلية في ظل تقلبات الأسواق وسوء أداء السندات الغربية. 

إضافة إلى العوامل الجيوسياسية الدولية، هنالك عوامل اقتصادية بحتة يمكن أن تفسر الارتفاع الكبير في أسعار الذهب وأهمها تلك المرتبطة بتراجع أداء الدولار الأميركي الذي تراجع مؤشره بنسبة 7 بالمئة منذ منتصف العام 2024، ما دفع بعدد كبير من الدول وحتّى المستثمرين إلى التحول إلى الذهب كملجأ أكثر أمانًا وضماًنا للاستثمار. ومع تزايد التوقعات بأن الاحتياطي الفيدرالي الأميركي سيبدأ بخفض أسعار الفائدة بدًءا من النصف الأول من 2026، فإن هذا سيعزز دور الذهب كخيار مفضل عند المستثمرين الساعين لحماية أنفسهم من التضخم وضعف العوائد على السندات الأميركية. 

وقد لاحظ المراقبون حصول حالة هستيريا دولية تدفع الدول وأيضًا الأفراد إلى التوجّه لشراء الذهب. فبنتيجة حالة الذعر التي يتسبب بها التنافس الجيوسياسي بين بكين وواشنطن واستمرار الأزمة في أوكرانيا وتصاعد الصراعات في الشرق الأوسط يلجأ الناس إلى شراء الذهب بغية حماية استثماراتها ومدخراتها. ففي أسواق مثل الهند ومصر وتركيا، بات الناس يصطفون أمام محال الصاغة لشراء السبائك والعملات الذهبية خوفًا من تدهور العملات المحلية. ووفقًا لتقارير اقتصادية فلقد ارتفع الطلب الاستهلاكي على الذهب بنسبة 28 بالمئة خلال الأشهر التسعة الأولى من العام 2025. 

ولا يمكن النظر إلى صعود الذهب في 2025 فقط من زاوية اقتصادية، بل يجب فهمه كإشارة على إعادة توازن القوى في النظام المالي الدولي. فكما كان انهيار اتفاقية “بريتون وودز” في السبعينيات علامة على نهاية هيمنة الذهب وولادة الدولار كمرتكز للنظام النقدي، فإن الموجة الحالية قد تشير إلى الاتّجاه المعاكس بالتخلي التدريجي عن الدولار والعودة إلى الذهب كمرتكز لنظام مالي متعدد العملات. 

والجدير ذكره أن الصين وروسيا والهند ودول “البريكس" تعمل منذ سنوات على بناء منظومات مالية بديلة للدولار، سواء من خلال اليوان الرقمي أو آليات تسوية تجارية بالعملات المحلية، وهذا سيجعل الذهب “الضامن الصامت” لهذه التجارب، إذ يمكن تسويته عالميًا دون الحاجة إلى المرور بالنظام المالي الغربي. 

من هنا فإن الارتفاع التاريخي لأسعار الذهب في العام 2025 لا يشكّل مجرد موجة مضاربة عابرة، بل انعكاس لتحوّل عميق في بنية الاقتصاد العالمي. فالتخوف من “تسليح الدولار”، وتراجع الثقة في السندات الأميركية، وعودة التوترات الجيوسياسية الكبرى، كلها عوامل تدفع الحكومات والمستثمرين نحو المعدن الأصفر كأداة حماية من المجهول. 

لكن هذا الصعود لا يخلو من مخاطر. فكما أظهر التاريخ، فإن موجات الذهب الكبرى تنتهي عادة بتصحيح مؤلم قبل أن يستقر السعر عند توازن جديد. ومع ذلك، يبدو أن الذهب في 2025 ليس مجرد ملاذ آمن، بل هو عنوان لمرحلة انتقالية في النظام المالي العالمي، قد تغيّر ميزان القوى النقدية لعقود قادمة.

الكلمات المفتاحية
مشاركة