مقالات
 
            اجتاحت "إسرائيل" لبنان في حزيران من العام 1982 فوصلت إلى العاصمة بيروت واحتلت أجزاء كبيرة منه. وكان نتيجة الاحتلال انتخاب رئيس جمهورية للبنان هو بشير الجميّل، الذي اغتيل بعد عشرين يومًا على انتخابه، فانتُخب شقيقه أمين الجميّل، وهما من المؤيدين لـ"اتفاقيّة سلام" تضمن أمن "إسرائيل".
وشرع لبنان بوساطة أميركيّة في مفاوضات مباشرة مع "إسرائيل" للتوّصل إلى اتفاقية عُرفت باتفاقيّة 17 أيار 1983 حيث فوّض لبنان الرسميّ أنطوان فتال بهذه المهمّة، وقد أجاز المجلس النيابي آنذاك للحكومة اللبنانيّة إبرام الاتفاقيّة في جلسة عقدها في 14 حزيران 1983 أيدّها 65 نائبًا وعارضها نائبان بطلان هما: نجاح واكيم وزاهر الخطيب، وامتنع 4 نواب، في حين تغيّب 19 نائبًا.
نجاح واكيم: تشابه كبير
في ردٍ على سؤال يتعلق بتشابه الظروف المحليّة والإقليميّة التي أدت في العام 1983 إلى عقد اتفاقيّة 17 أيار بين لبنان و"إسرائيل"، قال أحد طرفي المقاومة في البرلمان اللبناني آنذاك النائب السابق نجاح واكيم لـ"موقع العهد" الإخباري: "لا شك أن هناك تشابهًا كبيرًا وليس كاملًا بين الظروف المحليّة والإقليميّة التي أدت في العام 1983 إلى عقد اتفاقية 17 أيار بين لبنان و"إسرائيل" واليوم".
هدى رزق: لا تشابه
الدكتورة هدى رزق، المُحللة السياسيّة وأستاذة علم الاجتماع السياسي، أكدت أن "لا تشابه بين الظروف الحاليّة وظروف العام 1983".
ويستعيد النائب نجاح واكيم الظروف بقوله إن "من جهة الذي شنّ الحرب عام 1982 كانت أميركا وكانت "إسرائيل" أداة فيها، وكانت الرجعيّة العربيّة متواطئة في هذا. وهذا ما حصل اليوم في الحرب التي شُنت على لبنان وعلى المقاومة".
أما الفارق بين اليوم والأمس، برأي واكيم، "فهو أن المقاومة في العام 1983 لم تكن قد تشكلت بعد بشكل كبير، وكانت ضعيفة جدًا. أما اليوم فالمقاومة أقوى ومدعومة من قبل القوى الوطنيّة. لذا فإن العائق أمام تكرار اتفاقيّة 17 أيار هو عائق كبير، ولن أتحدّث عن القوى الإقليميّة والدوليّة التي يمكن أن تقف ضدّ هذا وتساند المقاومة وعلى رأسها الجمهورية الإسلاميّة الإيرانيّة".
اليوم كلّ شيء
لا يختلف رأي الدكتورة هدى رزق، فتُعلل ذلك بالقول "في ذلك الوقت كانت المقاومة وليدة، و"إسرائيل" تحتلّ الجزء الأكبر من الجنوب والرئيس أمين الجميّل كان مؤيدًا لـ"إسرائيل"، وكانت السلطة قبل اتفاق الطائف في يد رئيس الجمهوريّة، أما رئيس الوزراء شفيق الوزّان فضعيف، ومجلس النواب كان يُجدد له منذ العام 1972، ورئيسه والنواب كانوا تحت إمرة رئيس الجمهورية وفريقه.
وتلفت إلى أن "اليوم كلّ شيء مختلف رغم الضربات الكبيرة التي تلقتها المقاومة أي عمليات "البايجرز" واللاسلكي واغتيال القادة وعلى رأسهم سيد شهداء الأمة الأمين العام السيد حسن نصر الله، ويمكن القول إن الحزب واجه معركة قاسية، لكنّه لم يخسر المعركة العسكرية البريّة خلال 66 يومًا من معركة "أولي البأس"".
وضعيّة الجيش
بالمقابل، تشدد الدكتورة رزق بالقول "إن وضعية مؤسسات الدولة تحت اتفاق الطائف مختلفة، فالقرار ليس أحاديًّا رغم كلّ الضغوط الأميركيّة وعدم تطبيق "إسرائيل" القرار الأمميّ 1701. والجيش اللبناني تعلّم من تاريخه في الحرب الأهليّة أن الانقسام سوف يُضعفه ويُضعف المؤسسة العسكرية في حال استجاب وذهب إلى تطبيق نزع السلاح دون مراعاة التفاهم بين الأفرقاء السياسيين حول إستراتيجيّة حماية لبنان".
ولا تنسى رزق دور ووضع الطائفة الشيعيّة المختلف عبر تلاحم قواها الحزبيّة والشعبيّة بوجه الاحتلال وإخلاصها لدماء شهدائها.
صلاحيات رئيس الجمهوريّة اليوم!
وتعتبر رزق أن ثمة تغييرًا في الصلاحيات لدى الرئاسات ما بعد الطائف، فتقول "أما رئيس الجمهورية فصلاحياته لا تسمح له بالاستفراد بالقرار، كذلك رئيس مجلس الوزراء إذا ما أراد توقيع اتفاق مع "إسرائيل". هناك وعي لعدم تعريض لبنان إلى الانقسام جيشًا وشعبًا وأمنًا، ومطالبة "إسرائيل" بالانسحاب. أما موضوع السلاح فهو شأن داخلي بامتياز بين الحزب والدولة بعد انسحاب العدوّ الرافض للانسحاب.
مجلس اليوم؟
عن الدور المنتظر من المجلس النيابي الحاليّ وعن إمكانية أن يكون مجلس النواب الحالي بأكثريته ممرًا لهذه الاتفاقيّة يقول النائب نجاح واكيم "في العام 1983 صوّت مجلس النواب بالإجماع تقريبًا، ما عدا نائبين هما نجاح واكيم وزاهر الخطيب ضدّ تلك الاتفاقيّة. وما وافقت على تلك الاتفاقيّة ولم تمر بسبب تنامي قوة المقاومة بالدرجة الأولى، والدور الذي لعبته آنذاك سورية. واليوم هناك عدد وازن من النوّاب الوطنيين الذين يرفضون تلك الاتفاقيّة، أعني بالدرجة الأولى نوّاب كتلة الوفاء للمقاومة ونواب كتلة التنمية والتحرير ومعهما عدد من النواب المستقلين".
الأكثرية مع من؟
ويختم النائب، الذي ارتبط اسمه بالنضال في ساحات المقاومة، نجاح واكيم بالتأكيد "فمن هذه الجهة، فإن مجلس النواب اليوم هو أقل سوءًا مما كان عليه الحال في العام 1983. وبالتالي إن المجلس النيابي هذا لن يكون ممرًا لمثل هذه الاتفاقيّة".
في حين تعتبر الدكتورة هدى رزق ردًا على سؤال الأكثرية أنه "في البداية يجب معرفة عدد نواب القوّات، وهم طبعًا يريدون أيّ اتفاق مع "إسرائيل". والسؤال إذا ما كانت القوى المسيحيّة الأخرى عدا القوات والكتائب مؤيدة أم لا؟ أيّ الطاشناق والعونيون والمستقلون؟ حتّى التغيّريون فهم ليسوا على قلب واحد. فهذا موضوع بحاجة إلى قراءة لموازين القوى في المجلس النيابي، ولمواقف القوى السياسيّة من جهة، ورضوخها من عدمه للضغوطات الأميركيّة وربما السعودية التي تتوق إلى عقد اتفاقات إبراهيميّة مع إسرائيل".
واليوم وبعد مرور أكثر من 41 عامًا على توقيع اتفاقيّة العار هذه، هل تُعيد السلطة اللبنانيّة توريط لبنان في اتفاقيّات أمنيّة تصبّ في صالح العدو؟
 
 
             
                                             
                         
                     
                     
                     
                         
                         
                         
                        