مقالات
            شهد مختلف أنحاء البلاد السورية في الأيام والأسابيع القليلة الفائتة، المزيد من الحوادث والتوتراتٍ الأمنية المنتقلة، بالإضافة إلى المزيد من التوغل الصهيوني في العمق السوري، هذا إلى جانب الأزمات المعيشية المتفاقمة. فقد تم توثيق بعض التوترات التي تعكس هشاشة الترتيبات الأمنية في مختلف المناطق واستمرار حالة عدم الاستقرار، وهي كالآتي:
دير الزور: هجوم على قسد
هجوم بقذيفة آر بي جي على نقطة لـ”قسد” في قرية أبو حمّام بريف دير الزور الشرقي. شنت عناصر مسلحة مجهولة الهوية الهجوم من الضفة الغربية لنهر الفرات، ولم يسفر الهجوم عن إصابات، وردّت قوات "قسد" على مصادر النيران.
درعا: مقتل عنصر "أمن"
مقتل عنصر من "قوى الأمن الداخلي" في بلدة قرفا بريف درعا، إثر اشتباك مع مطلوب "للقضاء". ما زال الجنوب السوري يشهد انفلاتاً أمنياً متكرراً وسط تصاعد الاغتيالات والاستهدافات المتبادلة.
القنيطرة : توغل "إسرائيلي"
توغلت قوات الاحتلال الإسرائيلي بعدد من الدبابات والآليات، قرب حاجز الصقري القديم على أوتوستراد السلام، واعتقلت شاباً في قرية بريقة. التحرك يهدف إلى تثبيت “منطقة عازلة غير معلنة” من الجولان إلى جبل الدروز.
حلب: مقتل عنصرين من "الجيش"
قُتل عنصران من "قوات الجيش السوري" قرب مدينة الباب شرق حلب بعد استهدافهما برصاص مجهولين. يُعتقد أن الهجوم يحمل بصمات خلايا معارضة أو مجموعات محلية مناهضة للوجود العسكري الرسمي.
فما الخلفية الحقيقية لهذه الحوداث وما سبب تفاقمها؟
هنا لا بد من الإضاءة بإيجاز على التطورات التي شهدتها الساحة السورية في الأشهر الأخيرة الفائتة.
منذ نحو عقدٍ ونصف العقد، حشدت الدول الشريكة في الحرب الكونية على سورية مجاميع الإرهابيين من مختلف أصقاع الأرض، وجاءت بهم إلى البلاد السورية، وبعض الدول المحيطة، لإجراء مهمةٍ محددةٍ، وهي إسقاط الدولة فيها أي (سورية)، ثم تفكيك وحدتها الجغرافية، وتمزيق نسيجها الاجتماعي. ومع الأسف، نجحت هذه الدول وحققت وتحقِّق الأهداف المذكورة أعلاه. فها هو الجنوب السوري يرزح تحت نفوذ العدو الصهيوني الذي يلامس؛ أي (الاحتلال) العاصمة دمشق. كذلك دفعت المجازر التي ارتكبتها "جبهة النصرة لبلاد الشام في تنظيم القاعدة" في حق الأقليات الدرزية والعلوية، إلى مطالبتهم بإقامة حكمٍ ذاتيٍ، خوفًا على مصير أبنائهم من القتل والتنكيل وسبي النساء، هذا هو واقع الحال في سورية راهنًا.
في بداية "الحرب الكونية" المذكورة نجحت الدول المسهِمة فيها بتجميع الإرهابيين التكفيريين وتحريضهم على الدولة السورية، وزجهم في الحرب الكونية على الأولى، تحت شعار "إسقاط حكم البعث وإقامة دولة الخلافة الإسلامية". لذا ظن هؤلاء الإرهابيون أنهم ماضون نحو إقامة هذه "الدولة". لكنْ، ما بعد إزاحة حكم الرئيس بشار الأسد في الثامن من كانون الأول 2024 ليس كما قبله، فبعدما سيطرت "النصرة" على قصر الشعب في دمشق، وجلس أبو محمد الجولاني على كرسي هذا القصر، خلع "بزته الجهادية"، وشذَّب لحيته و"هذبها"، ولبس لبوسًا إفرنجيًّا مع ربطة عنق، ليطل على الرأي العام، بوصفه "رجل دولة" لا "أميرًا داعشيًّا" كما هي حقيقته. و"أنه في صدد بناء دولةٍ مدنيةٍ"؛ أي أنه تخلى عن "مشروع إقامة دولة الخلافة في الشام". وفي شكلٍ أوضح، فقد خدع الجولاني مختلف المجموعات التكفيرية المسلحة التي ناصرته في حربه الإرهابية على سورية وشعبها، في سبيل إقامة "إمارتهم الوهابية"، غير أن زعيم "النصرة" خذلهم، لا بل أكثر من ذلك تبنى شخصيًّا مهمة القضاء عليهم، لتلميع صورته أمام الأوروبيين والمجتمع الغربي عمومًا، وبدا ذلك جليًّا بعد الهجوم الذي شنّه ما يسمى بـ "الأمن العام" التابع للجولاني، على مقر ما يعرف بـ "كتيبة الغرباء" أو "الكتيبة الفرنسية" في منطقة حارم الواقعة في شمال- غرب محافظة إدلب. وقد تكون هذه بداية حرب الجولاني على أنصاره، في ضوء فتور العلاقات بين الدول الأوروبية و"سلطة دمشق" الراهنة، في انتظار إلتزام الجولاني "بتعهده"، بعدما ترددت معلومات عن تقديمه تعهدًا أمام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالتخلص من الإرهاربيين الأوروبيين وبخاصة الفرنسيين، بالتالي منعهم من الذهاب إلى أوروبا عبر البحر، كذلك محاسبة المسؤولين عن مجازر السويداء في الصيف الفائت. وهذا ما أجج الحوادث الأمنية المتنقلة على امتداد الأراضي السورية. "ولا ريب أنها مرشحة إلى مزيدٍ من التأجيج والتوسع، بعد رفض الصين في مجلس الأمن شطب اسم الجولاني من قائمة التنظيمات الإرهابية، قبل إيجاد حل للإرهابيين الإيغور-التركستان الموجودين في سورية، والذين عاثوا بدورهم إرهابًا في شمال- غرب الصين، وقد يعودون إليها ولو أن هذا الاحتمال ضئيل، إلا إذا لقَوا مصير الكتيبة الفرنسية عينه، ما قد يدفع إلى مزيدٍ التوتيرات الأمنية، والاشتباكات بين "ثوار الأمس"، بالتالي تمديد مرحلة اللا استقرار في هذا البلد "، بحسب رأي مرجع سياسي سوري.
بالانتقال إلى الوضع الاقتصادي، خاصة حول تصريحات الجولاني عن جلب الاستثمارات إلى سورية، تؤكد مصادر سورية عليمة أنْ "لا بيانات مصرفية، ولا تدفقات مؤكدة، ولا زيادة في الاحتياطي، والحديث عن "الاستثمارات في سورية" لَأقرب إلى “تقدير دعائي” ضمن خطاب سياسي يهدف إلى ترسيخ صورة بلد يتعافى، أكثر من كونه يعكس حقيقة مالية".
وتلفت المصادر إلى أن "الجولاني أعلن في الرياض، وأمام جمهور من المستثمرين والمسؤولين الدوليين أن بلاده “استقطبت نحو 28 مليار دولار من الاستثمارات خلال الأشهر العشرة الماضية، لكنَّ تتبُّع أصل الـ28 مليار دولار يقودنا إلى خلاصة بسيطة مفادها، أن الرقم ورد في الخطاب، لكنه غاب عن البيانات، وهو انعكاس لطموح سياسي أكثر منه إنجاز اقتصادي".