اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

المقال التالي نتنياهو يبدأ حرب الجبهة الثامنة

مقالات مختارة

سمير جعجع و
مقالات مختارة

سمير جعجع و"حلم الإمبراطور": الخطر الأكبر على "لبنان الدولة"

54

صحيفة الأخبار - محمد حسن سويدان

منذ قيام كيان العدو وحتى أواخر الستينيات، أدركت إسرائيل أنها عاجزة عن توسيع حدود 1949 بالقوّة من دون الدخول في حروب شاملة مع جيوش عربية أكبر عدداً وعمقاً، ومن دون تعريض رعاتها الدوليين لإحراجات إستراتيجية. لذلك تبنّت مقاربة بديلة لتوسيع نفوذها عبر شبكة تحالفات إقليمية عُرفت بـ«المبدأ المحيطي» أو «تحالف الأطراف/الأقليات». صيغت ملامح هذا المبدأ في الخمسينيات على يد ديفيد بن غوريون وطاقمه الأمني ــ السياسي (تبلورت لاحقاً في تصوّرات يغال آلون)، بهدف كسر العزلة العربية، وخلق عمق أمني ــ اقتصادي لإسرائيل من خارج الدائرة العربية المباشرة، أو عبر مكوّنات غير عربية/ غير سنّية داخل الدول العربية.

وقد تُرجمت هذه الإستراتيجية عملياً بثلاثة مسارات متوازية:

1. تحالفات مع دول غير عربية على محيط المشرق العربي: شراكات أمنية واستخبارية مع تركيا العضو في «الناتو» (منذ أواخر الخمسينيات) ومع إيران الشاه (الستينيات ــ 1979)، إضافة إلى تعاون مع إثيوبيا في عهد هيلا سيلاسي لضبط البحر الأحمر وخطوط الملاحة.

2. رعاية حركات أقليات داخل دول عربية: دعم أجنحة كردية في شمال العراق (ستينيات ــ سبعينيات) لابتزاز بغداد وإشغالها، ودعم حركات جنوب السودان (أنانيا ثم الحركة الشعبية لاحقاً) لخلق أوراق ضغط على مصر والسودان وتفكيك محيط وادي النيل.

3. الانغماس في فسيفساء المشرق الطائفية ــ المناطقية: اتصالات مبكرة مع نخب طائفية ومناطقية ترى في التقاطع مع إسرائيل وسيلة لانتزاع مكاسب سلطة داخلية في دول هشة البنية. المثال الأبرز هنا كان الموارنة في لبنان.

إلا أن مجموعة تغيّرات في المنطقة فرضت على إسرائيل تعديل آلية عملها، وعلى رأسها سقوط الشاه عام 1979، وتبدّل الحسابات مع تحوّلات ما بعد الحرب الباردة، ثم انتقال إسرائيل إلى مقاربة «سلام ثنائي مع دول الجوار» (مصر 1979، الأردن 1994) قبل أن تُصبح جزءاً من دائرة تطبيع أوسع (اتفاقات أبراهام 2020) مع دول عربية مركزية. ورغم كل هذا، لم تختفِ فكرة الاستثمار في هياكل الهشاشة داخل الدول العربية، بل أُعيد تدويرها في لحظات فراغ أو تفكّك، عبر خطاب «حماية الأقليات»، كما في سوريا اليوم، أو الدفع نحو صيغ فيدرالية/ كونفدرالية تُجزّئ مراكز القوى وتخفّف كلفة الردع على إسرائيل.

الترجمة في لبنان

في لبنان، وبعد تبنّي تل أبيب للمبدأ المحيطي، رأت قوى لبنانية مسيحية يمينية أن اللحاق بالمظلّة الإسرائيلية هو طريق سريع لتثبيت تفوّق سياسي ــ عسكري داخلي. حينها برز حزب «الكتائب» كلاعب مركزي في السياسة اللبنانية، وتوثّقت القنوات بينه وبين تل أبيب في الحرب الأهلية، وصولاً إلى الغزو الإسرائيلي عام 1982 ومحاولة فرض ترتيبات أمنية ــ سياسية (اتفاق 17 أيار 1983) تمنح إسرائيل حدوداً آمنة ونفوذاً مباشراً في القرار اللبناني.

وقد ترافق ذلك مع إنشاء جيش لبنان الجنوبي كذراع محلّية للاحتلال في الشريط الحدودي.

في تلك المدة، قاربت إسرائيل الموارنة في لبنان كحاملٍ وظيفيّ لبسط النفوذ ومنع قيام أي تيّار معادٍ لها يستفيد من الجغرافيا اللبنانية للتحرّك ضدها. ومع ذلك، يجب التذكير أنّ هذا المسار لم يعبّر عن مجمل المسيحيين؛ فقد عارضته قوى وشخصيات مسيحية ودفعت أثماناً كبيرة في مواجهته.

اليوم يعود في لبنان خطابٌ يلتقي، بشكلٍ أو بآخر، مع جوهر «تحالف الأقليات»، أي البحث عن ترتيبات سلطة داخلية تُقصي الخصوم المحليين عبر استدعاء سندٍ خارجي. يتقدّم اليمين المسيحي، المتجسّد في خطّ «القوات اللبنانية» بقيادة سمير جعجع، بوصفه الطرف الأكثر حماسة لهذا النمط من التفكير، عبر طرح تصوّرات حكم وأمن واقتصاد تستبطن تحييد أو تقييد قوى لبنانية أخرى باستخدام مظلات إقليمية ودولية. مع ذلك، يبقى هذا الخيار خيار تيّار بعينه لا المكوّن المسيحي ككل؛ فداخل المسيحية اللبنانية تعدّدٌ واضح في المقاربات تجاه إسرائيل والإقليم وترتيبات الداخل.

الخطير في هذا الطرح أنه يكشف أنّ سمير جعجع لم يتعلّم من دروس التجربة اللبنانية ولا من انهيارات الرهانات السابقة، بل ما يزال يضع «حلم الإمبراطور» نصب عينيه، سلطة مُطلَقة لفريق واحد تُعيد صياغة الدولة على مقاسه، ولو تطلّب الأمر ملاقاة إسرائيل في منتصف الطريق وإلغاء جزء من اللبنانيين سياسياً واجتماعياً. وهنا يتحوّل فكر جعجع من برنامج حزبي متشدّد إلى مجازفة وجودية تهدّد لبنان كلّه.

إلا أنه بين سمير جعجع وحلم الإمبراطور يوجد حاجزان رئيسيان يسعى اليوم إلى تجاوزهما:

الحاجز الأول، هو التيّار المقاوم لإسرائيل، المتجسّد بشكل أساسي بحزب الله، أي الطائفة الشيعية، ولذلك يعمل جعجع على الاستفادة من نتائج الحرب الإسرائيلية الأخيرة ويقوم بتشجيع الأميركيين والإسرائيليين والسعوديين على الاستمرار بالضغط حتى القضاء على حضور الشيعة السياسي والاجتماعي.

الحاجز الثاني، هو المكوّنات اللبنانية الأخرى الحاضرة في العمل السياسي. من أجل تجاوز الحاجز الثاني يسعى جعجع أيضاً إلى الاستفادة من القوى الخارجية لإقصاء هذه المكوّنات عبر التحريض الدائم عليهم والترويج لتقاعسهم عن القيام بدورهم الذي دعمتهم من أجله القوى الخارجية المختلفة. وفي هذا الإطار يمكن فهم التحريض الذي كان يقوم به جعجع على الرئيس سعد الحريري قبل أن تخطفه السعودية. ومن هذا الباب يمكن فهم التصويب الدائم من قبل جعجع على رئيس الجمهورية متّهماً إياه بالتقاعس عن تنفيذ «حصر السلاح» المطلوب أميركياً وسعودياً.

من هنا من الضروري أن يفهم الجميع أن حلم «الإمبراطور» الموجود في عقل جعجع هو من أكبر المخاطر على لبنان الدولة. ففي هذا الحلم لبنان ليس إلا مستعمرة أميركية إسرائيلية يتحكّم بها جعجع بفكر يميني إلغائي. في هذه المستعمرة وفي ظل حكم هذا «الإمبراطور» الكل مأمورٌ بالطاعة أو سيكون مصيره الإلغاء. هذا هو الفكر الذي أوصل جعجع يوماً ما إلى السجن، فهل يوصله اليوم إلى رأس الدولة؟

الكلمات المفتاحية
مشاركة