اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

المقال التالي رسالة من عبد الباري عطوان الى الرئيس اللبناني

مقالات مختارة

نتنياهو يبدأ حرب الجبهة الثامنة
مقالات مختارة

نتنياهو يبدأ حرب الجبهة الثامنة

64

ناصر قنديل - صحيفة البناء 


لم يكن بنيامين نتنياهو يمزح عندما اجتمع بكبار الممولين المؤيدين لكيان الاحتلال في أميركا، وكبار المؤثرين المساندين لحرب الإبادة التي يقودها نتنياهو بحق الشعب الفلسطيني، وقال لهم إن الحرب التي يخوضها على سبع جبهات مهددة بالخطر ما لم يربح الحرب على الجبهة الثامنة، وعرف الجبهة الثامنة بصفتها حرب السيطرة على شبكات التواصل الاجتماعي، ولم يقل إنها حرب إعلامية بل حرب مالية، طالباً من كبار المتمولين شراء الأسهم التي تخولهم التحكم بقواعد النشر في وسائل التواصل الكبرى، انطلاقاً من شراء 80% من أسهم شركة تيك توك الخاصة بأميركا، وشراء الأخبار والبرامج السياسية في شبكة سي بي اس، وعقد صفقات تتيح التحكم بشركة ميتا وشبكة فايسبوك وشركة غوغل وشبكة يوتيوب، ومن المعلوم أن بعض التحقيقات الصحافية حول استخدام الذكاء الصناعي في حرب الإبادة كشفت أن شركة غوغل كانت شريكاً لجيش الاحتلال في برامج الذكاء الصناعي المستخدمة في حرب الإبادة، وأن قاعدة البيانات الخاصة بشركة ميتا وضعت بتصرّف جيش الاحتلال كأساس لملاحقة الأهداف في حرب الإبادة.

كما يقول المثل الشائع، “أول دخوله شمعة على طوله”، بدأ نتنياهو بإغلاق عشرات آلاف الحسابات في شبكات التواصل الاجتماعي، خلال الأيام الأولى من الشهر الأول لبدء خطة الحرب على الجبهة الثامنة، وهو قال خلال لقائه مع المتمولين والمؤثرين، إن نسبة الفعالية لأعداء “إسرائيل” والمقصود المدافعين عن حق الأطفال والنساء بالعيش والبقاء على قيد الحياة في غزة، تعادل ستة أضعاف نسبة فعالية مؤيدي “إسرائيل”، والمقصود الذين لم تؤثر فيهم مشاهد حرق الأطفال وهم أحياء داخل الخيام، والذين لم تتحرّك إنسانيتهم مع مشاهد التجويع التي أخرجت عظام الأطفال من أجسادهم، ولن تؤثر فيهم الوقائع التي تحملها أخبار جثث الأسرى الفلسطينيين التي سُلّمت وهي خالية من الأعضاء الحيوية، التي استخرجت من أجسادهم بطريقة محترفة، لبيعها على الأرجح. واستنتج نتنياهو أن هذه المعادلة يجب ان تتغير بأي ثمن لصالح “إسرائيل”، وأي ثمن تعني عملياً، أنه إذا تعذّرت زيادة فعالية مؤيدي حرب الإبادة فتجب إبادة حسابات مؤيدي المظلومية الفلسطينية.

حرب الإبادة الالكترونية تجري في دول يفترض أنها تتبجح بصفتها دول القانون، والمثير في الأمر أن الشركات التي تملك شبكات التواصل تراسل أصحاب الصفحات والحسابات المؤيدة لفلسطين ذات الأعداد الكبيرة من المتابعين، برسالة من سطور قليلة نادراً ما يمكن تلقيها، تقول لقد حذفنا صفحتك ولن يكون باستطاعتك استعادتها، دون تقديم أي عذر أو سبب سوى جملة بليدة تقول بسبب مخالفة القواعد، بينما جرت العادة أن يتمّ حذف منشور أو فيديو مع استعداد لإعادة النظر بالقرار، ولكن دائما دون معرفة من هم أصحاب القرار وما هي مؤهلاتهم وكفاءاتهم، وكيف يصنّفون المنشورات ويقيمون ما يستحقّ الحذف وما يجوز له البقاء، لكن هذه المرة لا حاجة للشرح فقد صدر قرار الإعدام وبعدها تتم المحاكمة، دون أن يكون للجهات القانونية في الدول المعنية أي سلطة للمراجعة، ودون وجود جهة مرجعية علنية يمكن مخاطبتها وطلب أسبابها الموجبة المعللة لقراراتها.

في المعيار العلمي هذا دليل على صعود الفاشية في الغرب، وخصوصاً في أميركا، حيث إن التقييد الحزبي الأعمى للإعلام هو من سمات الفاشية، لكنه هذه المرة يضاف إلى سمات أخرى، منها اللغة العنصرية، واللجوء إلى القوة العسكرية لقمع الاعتراضات الشعبية، لكن لهذا السلوك مدلول إيجابي وهو الإقرار بالفشل في امتلاك سردية منافسة للسردية التي يؤمن بها المناصرون لقضية فلسطين، بعدما كان كيان الاحتلال ومن خلفه الجماعات الحاكمة في أميركا على ثقة بقدرتهم على امتلاك سردية لحروبهم وسياستهم تمكّنها من الفوز في المنافسة مع أي سردية أخرى، وبعد الفشل الذريع في الفوز بالمنافسة بين السردية الصهيونية والسردية الفلسطينية بعد طوفان الأقصى، وتفكك الجبهات الداعمة للخطاب الداعم للاحتلال، سواء بين يهود أميركا، أو داخل الكنيسة الإنجيلية، يبدو أن اللجوء إلى حرب إبادة الحسابات المناوئة مجرد امتداد لحرب الإبادة بحق الفلسطينيين.

رغم النجاحات المؤقتة التي تحققها حرب إبادة الحسابات بالسيطرة على وسائل التواصل كمياً، بامتلاك عدد حسابات مؤيدة للاحتلال أكثر ونشر منشورات وفيديوهات أكثر، فإن التفوق النوعي للخطاب المناوئ للاحتلال، سوف يجدد فشل الاحتلال، كما فشلت حرب الإبادة بحق الفلسطينيين. فالخطاب الذي يزعج نتنياهو وترامب يستوفي شرط الوضوح بالجمع بين الحق والحقيقة ما يمنحه قوة لا تقاوم، فهو يقول هذه الأرض لم تكن يوماً اسمها “إسرائيل” لن تكون، وكان اسمها فلسطين وسيبقى، وهذه معادلة حق وحقيقة لا يمكن محوها، والضحك على الناس مجدداً بكذبة أرض بلا شعب لشعب بلا أرض، والهولوكوست التي استعادها نتنياهو كي يصف الطوفان بأنه هولوكوست جديدة بقي في عقول مَن استمعوا إليه ليكتشفوا بأن الهولوكوست الجديدة هي تلك التي نفذها جيش الاحتلال بحق الفلسطينيين.

حرب الرواية اليوم سوف تقرّر مستقبل الحرب كلها، ولعل نموذج الحرب بين الخطابين المؤيد والمناوئ للمرشح لمنصب عمدة نيويورك زهران ممداني يقدم صورة عن مشهد أكبر بكثير وأعمق بكثير.

الكلمات المفتاحية
مشاركة