اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

المقال التالي لبنان ما بين مطرقة التقريع والتهويل الأميركي وسندان الاعتداءات "الإسرائيلية"

مقالات

مقالات

"إسرائيل" تواجه واقعًا جديدًا: اقتصاد هش بعد "طوفان الأقصى"

49

أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الثامن من شهر تشرين الأول 2025 وقف إطلاق النار بين حماس والعدو "الإسرائيلي". رغم هشاشة هذا الوقف، إلا أنه خفف من حدة آلة القتل "الإسرائيلية" التي استمرت بقتل الفلسطينيين وتهجيرهم لعامين متتاليين. في الواقع، رغم تجبر العدوّ "الإسرائيلي" والدعم الأميركي والأوروبي له إلا أن انزلاقه في مستنقع الحرب كلّفه أثمانًا اقتصادية باهظة، منها المباشرة ومنها غير المباشرة. فما هو الوضع الاقتصادي لكيان الاحتلال بعد الحرب؟ 

•    المالية العامة للكيان "الإسرائيلي":

بعد عامين من الحرب المدمّرة التي قامت بها "إسرائيل"، خرج الاقتصاد "الإسرائيلي" مثقلًا بالديون ومتراجعًا في معظم مؤشراته. فقد شكّلت كلفة الحرب عبئًا هائلًا على المالية العامة، إذ ارتفع الدين العام إلى نحو 75% من الناتج المحلي الإجمالي بعد أن كان يقارب 60% قبل اندلاع القتال. هذا الارتفاع الكبير نتج عن الانفاق العسكري الضخم، وتعويض الخسائر الداخلية، وتمويل الإعمار في المستوطنات والمناطق المتضررة. ولتمويل هذا العجز، لجأت الحكومة إلى إصدار سندات داخلية وخارجية بأسعار فائدة مرتفعة، ما زاد كلفة الدين وأضعف قدرة الدولة على تمويل الخدمات الاجتماعية.

كما ارتفع العجز في الموازنة العامة إلى نحو 7% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو من أعلى المستويات منذ عقدين. لجأت الحكومة إلى زيادة الضرائب على الأفراد والشركات ورفع أسعار الخدمات العامة لتغطية النفقات الدفاعية وتعويض الخسائر. كما تقلصت مخصصات التعليم والصحة والبنى التحتية بسبب تحويل معظم الموارد إلى الأمن والدفاع. هذا الخلل المالي رفع الدين العام إلى أكثر من 75% من الناتج المحلي، ودفع وكالات التصنيف الائتماني إلى التحذير من تدهور في الاستقرار المالي مستقبلًا إذا لم يتم ضبط الانفاق.

أما الناتج المحلي الإجمالي، فقد تراجع بشكل واضح نتيجة توقف النشاط الاقتصادي في قطاعات واسعة. فبعد أن سجّل الاقتصاد "الإسرائيلي" نموًا قويًا تجاوز 6% عام 2022، انخفض النموّ إلى حدود 1% في 2024، وظل ضعيفًا في 2025 رغم بوادر الهدوء. وتسبّب استدعاء مئات آلاف الجنود للاحتياط في نقص العمالة، في ما أدّى تراجع الاستهلاك المحلي وارتفاع الأسعار إلى أنكماش الطلب الداخلي.

•    السياسة النقدية للكيان "الإسرائيلي" المحتل: 

بعد طوفان الأقصى، تواجه "إسرائيل" اضطرابات كبيرة في السياسة النقدية نتيجة التراجع الاقتصادي وارتفاع العجز، ما دفع "بنك "إسرائيل" المركزي" إلى اتّخاذ إجراءات معقّدة ومتردّدة بين دعم النموّ وكبح التضخم. فقد شهدت أسعار الفائدة تذبذبًا واضحًا، إذ جرى رفعها بداية للحد من التضخم الذي ارتفع بفعل زيادة الانفاق العسكري واضطراب الإمدادات، لكنّها لاحقًا خُفِّضت تدريجيًا لتحفيز الاقتصاد المتباطئ ودعم الاستثمار والاستهلاك الداخلي.

أما بالنسبة إلى سعر صرف "الشيكل"، فقد تراجع بشكل ملحوظ أمام الدولار والعملات الأجنبية الأخرى بسبب هروب الرساميل وتراجع الثقة بالاقتصاد المحلي، إذ تجاوز سعر الدولار 4.2 شيكل في بعض الفترات، وهو أدنى مستوى للعملة منذ سنوات. هذا التراجع انعكس على تكلفة الواردات التي ارتفعت بشدة، مما زاد من معدلات التضخم وأثّر سلبًا على القدرة الشرائية للمستوطنين.
وفي ظل استمرار حالة عدم اليقين، يواجه البنك المركزي معضلة حقيقية بين دعم الاستقرار النقدي والحفاظ على قيمة "الشيكل" من جهة، وتشجيع النموّ الاقتصادي ومنع الركود العميق من جهة أخرى. ونتيجة لذلك، لا تزال السياسة النقدية متقلبة.

كذلك تضررت الاستثمارات الخارجية بشكل ملحوظ، إذ انخفضت تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية إلى "إسرائيل" بنحو 40 إلى 50%، وقررت شركات عالمية في مجالات التكنولوجيا والدفاع تحويل بعض أعمالها إلى دول أكثر استقرارًا مثل الإمارات والولايات المتحدة. هذا التراجع أصاب أحد أهم محركات النموّ في الكيان، التي كانت تعتمد على الابتكار والتكنولوجيا لجذب التمويل الخارجي، الأمر الذي يزيد الضغط على ميزان المدفوعات وبالتالي "الشيكل".


•    القطاعات الإنتاجية:

تأثرت القطاعات الاقتصادية في "إسرائيل" بشكل واسع بعد عامين من الحرب، حيث شهد القطاع السياحي انهيارًا شبه كامل نتيجة توقف الرحلات الجوية وتراجع أعداد الزوار بسبب المخاطر الأمنية، ما أدى إلى إقفال عدد كبير من الفنادق والمطاعم وخسارة آلاف الوظائف. أما القطاع الصناعي فواجه تراجعًا في الإنتاج بسبب نقص المواد الأولية وارتفاع كلفة النقل والطاقة، إضافة إلى غياب اليد العاملة بعد استدعاء عدد كبير من العمال للاحتياط. وفي القطاع التكنولوجي، الذي يعتبر العمود الفقري للاقتصاد "الإسرائيلي"، أدّت حالة عدم الاستقرار السياسي إلى هروب رؤوس الأموال وانخفاض الاستثمارات الأجنبية في الشركات الناشئة، كما نقلت بعض الشركات الكبرى جزءًا من نشاطها إلى الخارج خوفًا من المخاطر المستقبلية. أما القطاع الزراعي، فكان من بين الأكثر تضررًا بسبب القصف المتكرّر للمناطق الحدودية وتدمير مساحات واسعة من الأراضي الزراعية في الجنوب، ما تسبب في نقص الإنتاج المحلي وارتفاع أسعار المواد الغذائية. هذه العوامل مجتمعة رسمت مشهدًا قاتمًا لاقتصاد يعتمد بشكل كبير على الثقة والاستقرار، وهما العنصران اللذان تزعزعا بشدة بعد الحرب.

•    القطاعات الخدماتية:

تعرّض قطاع الخدمات والمصارف والنقل في "إسرائيل" لضربة قاسية، إذ شكّلت تداعيات الحرب عبئا كبيرًا على البنية الاقتصادية والمالية. فقد واجه القطاع المصرفي ضغوطًا شديدة نتيجة تراجع السيولة، وارتفاع طلبات تأجيل القروض من قبل الأفراد والشركات المتضرّرة، إضافة إلى زيادة مخاطر التعثر المالي. كما انخفضت الأرباح المصرفية بسبب تباطؤ النشاط الاقتصادي وتراجع الودائع والاستثمارات. ونتيجة لعدم الاستقرار الأمني والمالي، اضطرّت بعض البنوك إلى تشديد سياسات الإقراض وتقليص تمويل المشاريع الجديدة. أما قطاع النقل، فقد عانى من شلل جزئي نتيجة الأضرار الواسعة التي لحقت بالبنى التحتية، خصوصًا في الطرق والموانئ وخطوط السكك الحديدية، مما أثّر سلبًا على حركة البضائع والتجارة الداخلية والخارجية. كما تراجعت خدمات النقل الجوي بشكل كبير بسبب القيود الأمنية وإلغاء العديد من الرحلات الدولية، ما كبّد شركات الطيران خسائر فادحة. وفي المقابل، شهد قطاع الخدمات العامة ضغطًا هائلًا نتيجة ازدياد الطلب على الدعم الاجتماعي والصحي وإعادة الإعمار، دون وجود موارد مالية كافية لتلبية هذه الاحتياجات. هذه التحديات مجتمعة أضعفت قدرة الدولة على استعادة النشاط الاقتصادي بسرعة، ورسّخت حالة من الركود في القطاعات التي تشكّل عصب الحياة اليومية والاقتصاد العام.

أما بورصة "تل أبيب" فقد شهدت تدهورًا حادًا مع بداية الحرب، حيث فقد مؤشرها الرئيسي أكثر من 20% من قيمته خلال الأشهر الأولى، وتراجعت أسهم البنوك وشركات التكنولوجيا بسبب انسحاب رؤوس الأموال الأجنبية وتراجع الثقة بالسوق. وعلى الرغم من تعافٍ طفيف بعد إعلان وقف إطلاق النار في تشرين الأول 2025، بقيت حالة الترقب مسيطرة على المستثمرين بسبب هشاشة الوضع الأمني والسياسي.

 تقف "إسرائيل" بعد الحرب أمام اقتصاد متعب يواجه دينًا عامًا متضخمًا، وأسواقًا مالية حذرة، واستثمارات أجنبية متراجعة. وعلى الرغم من احتفاظها ببنية تكنولوجية قوية، فإن قدرتها على التعافي مرهونة بمدى استقرار الوضع الأمني والسياسي، وبنجاح "الحكومة" في استعادة الثقة الداخلية والخارجية عبر إصلاحات مالية واقتصادية حقيقية تعيد التوازن إلى اقتصاد يتراجع بعد حرب أنهكته ماليًا واقتصاديًا.

الكلمات المفتاحية
مشاركة