مقالات
"لا ريب أن الوضع الراهن في سورية صعب جدًا، لا بل معقّد للغاية، في ضوء وجود "سلطةٍ" عاجزةٍ عن ضبط مختلف الأوضاع الداخلية، السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية، وسط التجاذبات والصراعات الإقليمية الدولية على هذا البلد، التي باتت تشكّل الفصل الثاني من الحرب الكونية على سورية، والتي بدأت في منتصف شهر آذار من العام 2011، وأدت إلى إسقاط الدولة في هذا البلد، في أواخر العام الفائت"، بحسب رأي دبلوماسي عربي متابع لمجريات الأوضاع في سورية.
وفي التفاصيل، يؤكد أن "سلطة الأمر الواقع الراهنة في دمشق، باتت تائهةً وسط احتدام الصراع على سورية في فصله الثاني، كونها أي (السلطة) لا تتمتع بالخبرات الدبلوماسية، ولا تجيد فهم التوازنات الإقليمية والدولية وتأثيرها في الداخل السوري، وكيفية التعامل معها "، لافتًا إلى أن ذلك أدى إلى خللٍ في العلاقات بين "سلطة دمشق" وعددٍ من الدول الحاضنة والداعمة لهذه "السلطة المؤقتة"، ودائمًا وفقًا لمعلومات الدبلوماسي. ويشير إلى أن "صراع النفوذ بين كلّ من تركيا والسعودية على سورية، وغموض موقف "السلطة" المذكورة من هذا الصراع، وتعدد ولاءات أعضاء "الحكومة" المنبثقة عن الأخيرة، أدى إلى زعزعة ثقتها مع السعودية من جهةٍ، كذلك مع تركيا وحليفتها قطر من جهةٍ أخرى، لأن هذه "السلطة" الهشة تفتقد إلى الخبرات في العلاقات الدولية، وإجادة "اللعب على التناقضات الدولية"، كذلك "اللعب على حافة الهاوية، كما كانت الدبلوماسية السورية إبان حكم الرئيس الراحل حافظ الأسد"، على حدّ قول الدبلوماسي عينه.
ويلفت إلى أن "الدليل على أن انعدام الثقة بين الرياض ودمشق، بدا جليًا من خلال عدم استقبال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، لرئيس "سلطة دمشق" الراهنة أبي محمد الجولاني في لقاءٍ خاصٍ، واقتصر لقاؤهما على هامش انعقاد " مؤتمر "مبادرة مستقبل الاستثمار" في الرياض، أواخر تشرين الأول الفائت، كذلك اقتصر اللقاء الرسمي بين السعودية وسورية على لقاء وزيري خارجية البلدين".
ويختم الدبلوماسي بالقول: "بالرغم من عدم استقبال بن سلمان للجولاني، لم يزد ذلك في ثقة الأتراك والقطريين بالجولاني، على اعتبار أنه يحاول أن يكون "مترامي الأطراف" ومتشعب الاهتمام، بالتالي ظن نفسه قادرًا على نيل رضى الدول المؤثرة في سورية، وهذا ما أسهم في انعدام ثقتها (أي الدول) به".
وعن الوضع الداخلي السوري، تؤكد مصادر سياسية سورية أن "الصراع التركي - السعودي على سورية، بالإضافة إلى الاشتباكات التي تدور بين مسلحي الجولاني وباقي المجموعات التكفيرية المسلحة المنتشرة في البلاد السورية، التي ينوي الجولاني التخلّص منها، رغم مناصرتها له في أنشطته الإرهابية التي استهدفت الأمن الوطني السوري سابقًا، ورغم مشاركتها في "حكومته" راهنًا، كلّ ذلك أدى إلى بروز الخلافات في "حكومة الأمر الواقع" الانتقالية". وتكشف المصادر أن "بعض "الوزراء" يتمردون على الجولاني، في أمورٍ تتعلق بتفاصيلٍ يوميةٍ روتينيةٍ، وهذا دليل إضافي على هشاشة تركيبة هذه "السلطة"، بالإضافة إلى عجزها عن ضبط الوضع الأمني المتفلّت على امتداد البلاد، وفشلها في معالجة الوضعين الاقتصادي والاجتماعي، بدليل حدوث الاحتجاجات العفوية التي قام بها عدد من المواطنين رفضًا لارتفاع تسعيرة الكهرباء 800 %، بالإضافة إلى أن "الحكومة الراهنة" ألغت الطبابة المجانية، كما كانت خلال الحكم السابق"، بل صارت على نفقة المواطن السوري، أي أن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية تزداد سوءًا، رغم كلّ الدعاية الفضفاضة التي تروّج لها السلطة، عن "النهوض" بالاقتصاد و"الاستثمارات" وما إلى ذلك".
بناء على ما تقدم، يعتبر مرجع سياسي عربي مخضرم أن "الخروج من الأزمات المذكورة آنفًا، بالإضافة إلى العمل بكلّ الوسائل على إنهاء الاحتلال الصهيوني في الجنوب الذي لامس في عدوانه المتمادي ونفوذه العاصمة دمشق، ووضع حدٍ لانتهاكاته، ومعالجة أوضاع الأقليات في السويداء والساحل وشمال - شرق البلاد السورية، يتطلب سلطة تتمتع بالحكمة والقوّة في آنٍ معًا، وهذا تفتقد إليه "سلطة الجولاني"، ولا يمكن أن تتبلور سلطة قوية وحكيمة، إلا من خلال تنظيم انتخابات تشريعية حرة، وتأليف حكومة مدنية موثوقة تحظى بالدعم الإقليمي والدولي، وتعمل بدورها على ترتيب البيت الداخلي، ومعالجة مختلف الأزمات التي تمّر فيها البلاد، وأما بغير ذلك فعبثًا تحاولون"، يختم المرجع.