عين على العدو
أكد تقرير صهيوني أن الحرب العدوانية التي يشنها العدو على الشعب الفلسطيني، في قطاع غزة، ستترك تبعات كبيرة على الاقتصاد "الإسرائيلي"، كاشفًا أن هذه التبعات سترافق الاقتصاد الإسرائيلي على مدى السنوات الخمس المقبلة.
وتحت عنوان "ثمن الحرب: تراجع بنسبة 1% في إمكانات نمو الاقتصاد "الإسرائيلي"، كتب المحلل الاقتصادي ذي ماركر، في صحيفة "هآرتس" الصهيونية، ويقول: "تزداد قتامة التوقعات المتعلّقة بالنمو الاقتصادي في "إسرائيل" على المدى المتوسط، أي السنوات الخمس المقبلة، كلما تتضح التأثيرات السلبية لحرب غزّة في الاقتصاد".
وأوضح أن الجهات الرسمية خفّضت توقّعاتها لنمو الناتج المحلي الإجمالي لـ"إسرائيل" للسنوات 2027-2030 إلى نسبة تتراوح بين 3% و3.5% سنويًا، مقارنة بمعدل نمو بلغ 4% سنويًا خلال العقد الأخير.
وكانت وزارة المالية الصهيونية قد نشرت بالفعل توقعاتها للمدى المتوسط، تشير إلى نمو سنوي يتراوح بين 3.5% و3.7% في السنوات 2027-2029. إلا أن تقرير الصحيفة أشار إلى أن: "هناك احتمالًا غير منخفض بأن تُخَفَّض هذه التوقعات لاحقًا".
ولفت إلى أن بنك "إسرائيل" قدّر، في تقريره السنوي الأخير، أن: "الحرب ستترك تبعات كبيرة على الاقتصاد "الإسرائيلي" أيضًا في المدى المتوسط: من المتوقع أن ترتفع نفقات "الأمن" مقارنة بمستواها قبل الحرب. وستكون هناك حاجة إلى خفض نسبة الدين إلى الناتج التي ارتفعت، لإعادة بناء هامش مالي. وقد تبقى علاوة المخاطر عند مستوى عالٍ، وسيرافق الاقتصاد تصنيف ائتماني دولي أدنى مما كان عليه قبل الحرب، إضافة إلى نفقات واسعة لإعادة تأهيل مناطق المواجهة ولرعاية أعداد كبيرة من المتضررين". ويخلص التقرير إلى أن كلّ هذه العوامل ستؤثر سلبًا في إمكانات النموّ الاقتصادي لـ"إسرائيل"
أضاف التقرير: "هذه التوقعات القاتمة تذكّر بالتأثير الذي خلّفته حرب يوم الغفران على الاقتصاد "الإسرائيلي"، تأثيرٌ أدّى إلى ما يُعرف بـ"العقد المفقود": عقد كامل من النموّ المتدني والديون الثقيلة والتضخم الجامح. وفي نهاية ذلك العقد، كانت "إسرائيل" على حافة الإفلاس، ولم يُنقذها سوى خطة الاستقرار الاقتصادي في العام 1985 مدعومةً بالزخم الذي وفّره اتفاق السلام مع مصر".
وتابع: "اليوم، أيضًا، تبرز مخاوف جدّية من آثار سلبية طويلة الأمد لحرب السابع من أكتوبر/تشرين الأول على الاقتصاد "الإسرائيلي"، وإن كانت بدرجات أقل بكثير من تلك التي أعقبت حرب 1973. وتتمثل أبرز التأثيرات السلبية في فقدان نحو ألفَي قتيل، معظمهم من الشباب، والذين كان يُفترض أن يسهموا، في مراحل لاحقة من حياتهم، في نمو الاقتصاد "الإسرائيلي"".
كما كشف أنه: "إلى جانب القتلى، أُضيف نحو 20 ألف جريح يتلقّون العلاج في قسم إعادة التأهيل التابع لوزارة "الأمن" (الحرب)، ومعظمهم أيضًا من فئة الشباب. إضافة إلى 80 ألف مصاب في عمليات عدائية يتلقّون علاجهم عبر مؤسسة التأمين الوطني؛ أي أنّ المجموع يصل إلى 100 ألف جريح حرب. لكن تقديرات قسم إعادة التأهيل تشير إلى أنّ عدد المتضررين سيرتفع بحلول العام 2028 إلى 120 ألفًا على الأقل، وذلك بالأساس بسبب الإصابات النفسية. ومن الطبيعي أن يكون إسهام هؤلاء الجرحى في الناتج الاقتصادي أقل بكثير من إمكاناتهم الأصلية. كما أنّ إصابة فرد واحد تؤثر غالبًا في قدرة أفراد عائلته على العمل أيضًا".
ورأى التقرير أن: "هذه العوامل مجتمعة تقود إلى تقديرات تفيد بأنّ الاقتصاد خسر نحو 1% من قوة العمل، بعد الحرب. وإلى جانب ذلك، يُتوقع ارتفاع كبير في النفقات على المخصّصات والعلاجات الطبية، نحو 6 مليارات شيكل سنويًا في قسم إعادة التأهيل، ونحو ملياري شيكل سنويًا في مؤسسة التأمين الوطني".
ولفت إلى "تأثير سلبي آخر يكمن في الارتفاع المستمر في الإنفاق الأمني، والذي - بعد انتهاء الحرب - لا يُتوقع أن ينخفض. إذ غن مطالب المؤسسة "الأمنية" لميزانية العام 2026 ترفع ميزانية الأمن إلى 6.3% من الناتج المحلي، مقارنة بـ 4.2% في العام 2022، كما أنّ الجهاز يقدّر أنّ النسبة لن تهبط في السنوات اللاحقة عن 5% من الناتج". وأوضح أنّ: "الإنفاق الأمني على المدى المتوسط سيبقى أعلى بنحو 1-2 نقطة مئوية من مستواه قبل الحرب، وهي نفقات تُقتطع عمليًا من الاستثمارات المُحفّزة للنمو".
مع ذلك، رأى أنه: "حتّى نسبة إنفاق "أمني" تتراوح بين 5% و6% من الناتج تظلّ أقل بكثير من إنفاق "العقد المفقود"، حين قفزت النفقات الأمنية إلى 25%-30% من الناتج، وفقًا للبروفيسور يوسي زئيرا. ومن هذه الزاوية، فإن تأثير حرب غزّة على الاقتصاد أكثر اعتدالًا بكثير من تأثير حرب "يوم الغفران"".
كما أشار إلى: "أنّ كلّ ذلك مشروط بافتراض متفائل بأنّ الحرب انتهت فعلًا، وأنه لن تندلع جبهات جديدة في غزّة أو لبنان أو إيران أو الضفّة الغربية. واندلاع مواجهة في الضفّة، على سبيل المثال، سيستلزم مجددًا تجنيدًا واسعًا لقوات الاحتياط، ما سيؤدي إلى ارتفاع إضافي في النفقات الأمنية وإلى إلحاق ضرر بالإنتاج بسبب الغياب الكبير عن سوق العمل".
وتحدث التقرير عن: "تأثير سلبي آخر للحرب على إمكانات النموّ يتمثل في تضرّر سمعة "إسرائيل" عالميًا. وهي سمعة لم تتحسن بعد انتهاء القتال؛ حتّى في الشهر الأخير واصلت وسائل الإعلام العالمية نشر تقارير عن مشاعر عدائية إزاء "إسرائيل"، ومن أبرز تجليات ذلك انتشار عبارة "Spiritually Israeli" ("إسرائيلي روحيًا") التي باتت تُستخدم على شبكات التواصل لتوصيف كلّ ما هو سلبي أو منافق أو مثير للإحراج".
وأضاف التقرير: "مع ذلك، يجب التوضيح أنّ تأثير السمعة المتدهورة على الاقتصاد "الإسرائيلي" صعب القياس؛ فحتّى الآن، هذا التراجع في الصورة الخارجية يكاد لا ينعكس في بيانات التصدير. كما أنه ليس معلومًا ما إذا كان هذا الضرر سيستمر أم سيتلاشى تدريجيًا. على سبيل المثال، الزيادة في علاوة المخاطر على السندات "الإسرائيلية" خلال الحرب تراجعت تقريبًا بالكامل".
وختم التقرير لافتًا إلى: "خطر آخر أثير، في الأسابيع الأخيرة، هو ما يبدو وكأنه موجة هجرة متزايدة من "إسرائيل"، لاسيما بين أصحاب التعليم العالي، أي من يمتلكون رأس مال بشريًا ذا قيمة عالية للاقتصاد. ومع ذلك، فإنّ بيانات الهجرة، رغم ارتفاعها في العامين الأخيرين، ما تزال تبدو محدودة التأثير حتّى الآن".