خاص العهد
بعد مرور عام على اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وكيان العدو الصهيوني، يبرز الجنوب بمشهد صمود أهله الذين شكّلوا خط الدفاع الأول، وحافظوا على أرضهم رغم الغارات والدمار والتهديدات المستمرة. أهالي القرى الجنوبية أعادوا الحياة إلى أراضيهم بجهودهم وإرادتهم، فيما غابت الدولة عن المشهد، تاركة السكان يواجهون تحديات جسيمة بمفردهم.
موقع العهد الإخباري أجرى سلسلة من الاستصراحات مع عدد من رؤساء بلديات قرى الصمود؛ لرصد واقع الأهالي ومعايشتهم اليومية، ورصد المساحات التي صنعتها الإرادة الشعبية حين تعاظمت الصعوبات وغابت المؤسسات الرسمية. من الطيبة وعيتا الشعب إلى ميس الجبل وغيرها من القرى، كان المضمون واحدًا: الأرض حيّة بأبنائها، والعودة إليها ليست خيارًا بل هي قدر يكتبه الناس بدمهم وصبرهم وعرقهم.
رئيس اتحاد بلديات جبل عامل: الناس أعادت الحياة إلى القرى والدولة غائبة
رئيس اتحاد بلديات جبل عامل وعضو مجلس بلدية ميس الجبل؛ قاسم حمدان، قدّم صورة شاملة للواقع بعد الحرب، مؤكدًا أن القرى الخلفية استعادت نحو 90 % من حياتها الطبيعية بفضل الأهالي أنفسهم الذين عادوا مع أول صباح بعد وقف العدوان، وبدؤوا بإصلاح منازلهم ومؤسساتهم الصغيرة دون أي تعويض، فيما بقيت الدولة غائبة عن المشهد.
القرى الأمامية كان حالها أكثر تعقيدًا، إذ تجاوز الدمار في بعضها 50%، وتوقفت مواردها الزراعية والتجارية والصناعية، بسبب الحرب وعام من التهجير، في ظل قطع الاحتلال للتواصل الجغرافي وخلق أزمة أمنية واقتصادية خانقة. ومع ذلك، وصلت نسبة العائدين إلى 40–50%، وهو رقم يعكس تمسك الأهالي بأرضهم وإصرارهم على العودة رغم المخاطر والتهديدات.
بحسب حمدان، فقد أظهرت الأيام الأولى بعد انسحاب الاحتلال إرادة الأهالي الصلبة، إذ عاد الناس إلى بيوت مهدمة بلا ماء أو كهرباء أو طعام، وزرعوا أرضهم وفتحوا محالهم وبدؤوا الحياة من الصفر. هذه العودة تمثل ملحمة صمود صنعها الأهالي وحدهم، فيما بقيت الدولة غير قادرة على تقديم أي دعم حقيقي في الإعمار أو الإغاثة أو الأمن.
رئيس بلدية الطيبة: صمود الأهالي أقوى من غياب الدولة
رئيس بلدية الطيبة؛ جواد أشمر شدد على أن البلدة ما تزال تواجه تحديات جسيمة، وأن صمود الأهالي لم يكن ممكنًا لولا عزيمتهم وإرادتهم، في ظل غياب الدولة ومؤسساتها عن أي دور فعال. الزراعة؛ أحد مقومات الحياة الأساسية، تواجه صعوبات كبيرة بسبب انقطاع المياه، في الوقت الذي بقيت وعود الدولة حبرًا على ورق، فيما بدأت بمطالبة الأهالي بدفع فواتير الكهرباء والمياه عن سنوات الحرب والتهجير.
أشمر أشار إلى أن صرف التعويضات بعد العودة أسهم في تحريك عجلة الاقتصاد المحلي، من ترميم البيوت وفتح المحال وتشغيل المصالح، إلا أن هذا المسار توقف لاحقًا لأسباب خارجة عن إرادة المعنيين، ما أدى إلى ركود اقتصادي وازدياد الضيق. ورغم ذلك، الأهالي صامدون، صابرون، ومتمسكون بأرضهم ومنازلهم، مؤكدين أنهم أبناء المقاومة وثمار تربية سيد شهداء الأمة السيد حسن نصر الله (رض).
رئيس بلدية عيتا الشعب: صمود أبنائنا جهاد يومي
رئيس بلدية عيتا الشعب؛ أحمد توفيق سرور وصف صمود الأهالي بأنه جهاد يومي يوازي المعركة على خط المواجهة بكل ما للكلمة من معنى. من بقي في البلدة أو عاد إليها شكّل خط الدفاع الأول عن لبنان كله، رغم حجم الدمار وظروف العيش القاسية التي فرضتها الحرب. حركة العودة ما تزال محدودة، ومع ذلك فإن مجرد وجود الأهالي في البلدة يمثل موقفًا مقاومًا بحد ذاته.
سرور أشار إلى غياب خدمات الدولة، فـ "الخلل كبير"، إلا أن المبادرات الفردية والجهود المجتمعية حملت على عاتقها ما أمكن من دعم، من صيانة طرقات، إعادة تشغيل خزّانات المياه، وتأمين إنارة بالطاقة الشمسية في النقاط الحيوية. هذه الجهود المشتركة بين البلدية والأهالي والداعمين سمحت ببقاء الناس في منازلهم وتسيير الحد الأدنى من الحياة اليومية.
نحو 80 عائلة عادت إلى البلدة، بينها 50 عائلة مقيمة بشكل كامل، إلى جانب عشرات الأفراد الذين يتنقلون بين البلدة وأماكن نزوحهم. عادت بعض المصالح للعمل مجددًا، من محطات وقود ودكاكين وبسطات خضار ومحلات حلاقة، وصولًا إلى مؤسسات صغيرة نشّطت الحياة اليومية. سرور شدّد على أن عبارة "إنّا على العهد" ليست شعارًا للاستهلاك، بل هي سلوك يومي يثبته الأهالي بخدمتهم بعضهم بعضًا ووجودهم في أرضهم، معتبرًا أن هذه الخدمة هي جوهر الالتزام تجاه الأهالي والأرض.
حكاية الصمود بمختلف ألوانها وصنوفها يترجمها واقعًا وفعلًا أهالي الجنوب اليوم بإرادة شعب لا يستسلم، ويقدّم درسًا في الصمود والإصرار على الأرض رغم كل التحديات، فيما تبقى الدولة غائبة، والأهالي هم المعادلة الحقيقية التي تحفظ الوطن.