خاص العهد
في وقت انغمست فيه الدولة اللبنانية بالتفاوض مع العدو الصهيوني، تحرك أهالي الأسرى في سجون الاحتلال في صرخة ضد تراخي الحكومة في ملف أبنائهم، رافعين صور الأسرى وأسماءهم، معلنين أن حقهم في الحرية لن يضيع، وأن صمتهم لن يكون إلا صوتًا للمطالبة بإطلاق سراح أبنائهم وحماية كرامتهم، حيث نظم مركز الخيام لتأهيل ضحايا التعذيب وقفة في ساحة رياض الصلح، ضد الانتهاكات "الإسرائيلية" وضد التخاذل الرسمي، وتضامنًا مع قضية الحق والواجب الوطني، ومع أسرى الحرية في سجون الظلم، حيث يتعرض الأسرى لأقسى أنواع التعذيب، في زنازين تنتهك فيها كل القوانين والحقوق.
رئيس مركز الخيام محمد صفا ألقى كلمة خلال الوقفة، قال فيها: "نعتصم من أجل الحرية للمعتقلين اللبنانيين المختطفين رهائن في سجون الاحتلال "الإسرائيلي" في الأراضي الفلسطينية المحتلة، في مخالفة للمادتين 49 و76 لاتفاقية جنيف الثالثة لعام 1949، التي تنص على أن اعتقال الأفراد ونقلهم خارج المناطق المحتلة ممنوع مهما كانت الأسباب والدواعي".
وأضاف: "نعتصم اليوم لتذكير الجميع بهم، ولنكسر الصمت الرسمي حول قضيتهم، حيث لم تبذل الحكومة أي جهود حقيقية للإفراج عنهم"، مردفًا: "نعتصم لنقول لكل أركان السلطة اللبنانية بأن يكون الإفراج عن الأسرى والجرحى بادرة قبل التوقيع على أي اتفاق. ونؤكد أن الحكومة مقصرة، وكل أركان الحكم مقصرون في مواجهة الاحتلال "الإسرائيلي" لأجزاء من أرضنا، وفي رفع الصوت عاليًا على كافة المستويات المحلية والدولية لتطبيق اتفاق وقف العمليات العدائية".
وشدد على أن العدو "الإسرائيلي" يزداد توحشًا وقتلًا، ويمنع أهلنا من العودة إلى قراهم لترميم منازلهم، في ظل الغياب الكامل لما يسمى بوزارة الخارجية اللبنانية، التي لم تحرك ساكنًا لمتابعة قضية المعتقلين في المحافل الدولية.
وطالب في كلمته بتفعيل حالة طوارئ سياسية ودبلوماسية وإعلامية وشعبية، والتوجه إلى دول العالم شرقًا وغربًا لضغط ناقوس الخطر "الإسرائيلي"، لإجبار الاحتلال على سحب قواته، وإزالة الجدران، وقف انتهاكاته، وإنهاء عمليات الاغتيال، وإطلاق سراح المعتقلين فورًا.
كلمة أهالي الأسرى
كلمة أهالي الأسرى تلتها الأخت فاطمة كركي شقيقة الأسير حسين كركي، والتي قالت فيها: "نقف اليوم على جرح لا يلتئم، جرح يبدأ باسم كل أسير وينتهي عند قلب كل عائلة تنتظر. بعد وقف إطلاق النار، كان من المقرر عودة الأسرى الذين اعتقلو أثناء قيامهم بواجبهم الوطني بالدفاع عن أرضهم، لكن العدو "الإسرائيلي" بدل الالتزام قام بالاستباحة والاعتقال".
وأضافت: "تم أسر عدد من الشبان أثناء عودتهم إلى منازلهم أو أثناء قيامهم بأعمالهم اليومية، وبعض هؤلاء الأسرى جُرحوا. وأملنا كان أن نتحرك ونسمع تقريرًا رسميًا يكشف مصير شبابنا، لكن ما رأيناه كان صمتًا أثقل من الحرب نفسها، صمت الجهات الرسمية وصمت اللجان الدولية، وكأن ملف الأسرى ملف زائد أو قضية قابلة للنسيان"، مردفة: "نحن لا نتحدث عن أرقام، بل عن شباب لهم أسماء وصور وأصوات، وأحلام توقفت منذ لحظة الاعتقال، لهم عائلات تنتظر وتعيش بين الرجاء والخوف".
وسألت: "يا أصحاب القرار، ما قيمة الدولة إذا لم تعرف كيف تصون أبناءها؟ وما معنى السيادة إذا كانت عاجزة عن تحرير أسراها أو المطالبة بحقهم؟".
وشددت على أن الأسرى ليسوا تفصيلًا، بل هم قلب الوطن، قائلة: "أما أنتم يا من تمثلون الجهات الدولية، فأين التقارير؟ أين الجولات الميدانية؟ أين المساءلة؟".
دعوة للحكومة: لإعادة قضية الأسرى إلى الواجهة
وعلى الهامش، يقول رئيس مركز الخيام محمد صفا في حديث خاص لموقع "العهد" الإخباري إن هذه الوقفة تشكل جزءًا من تحركاتنا المستمرة لإحياء قضية المعتقلين المنسية، وللتصدي لجرائم العدو الصهيوني في الجنوب، بعد عام كامل على اتفاق وقف إطلاق النار.
ويرى صفا أن وزارة الخارجية غائبة بالكامل عن قضية المعتقلين، فلم تُثر هذا الملف في المحافل الإنسانية والدولية، ولم تُزوّد أي مؤسسة دولية بأسمائهم، بل إن وزير الخارجية ذهب أبعد من ذلك حين برّر للعدو جرائمه وعدوانه بذريعة سلاح المقاومة. ونحن نقول بوضوح: "السلاح نتيجة، لأن الأرض ما زالت محتلة".
ومن هنا، دعا صفا الحكومة إلى أن تُعيد هذه القضية إلى الواجهة، وأن تجعلها قضية أساسية لا هامشية، فمع غياب خطة دبلوماسية، إعلامية، ثقافية، وقانونية تواجه هذه الحرب، لا يكفي إصدار بيانات الاستنكار والإدانة، بل نريد تحركات فعلية، ومبادرات حقيقية، وجهدًا رسميًا منظمًا يرقى إلى حجم المعاناة والجرائم التي تُرتكب.
من جانبه، يقول عضو المجلس الأعلى في الحزب السوري القومي الاجتماعي سماح مهدي: "نؤمن أنه كما يقوم المقاومون الأبطال بواجبهم في ساحات الجهاد، فإنّ هناك ميادين أخرى يستمر فيها النضال، وفي مقدّمها الدفاع عن الأسرى والضغط من أجل انتزاع حريتهم من السجون والمعتقلات "الإسرائيلية""، مضيفًا: "هذه الرسالة موجهة إلى الحكومة اللبنانية التي قصّرت في أداء واجبها في ملف الأسرى، ولم تتعامل معه بما يليق بتضحياتهم وقضيتهم".
ويتابع لـ "العهد": لقد وقفنا اليوم وقفة رمزية أمام السراي الحكومي لنؤكد للحكومة أن الأسرى هم مواطنون لبنانيون أُسروا افتداءً للبنان، ودفاعًا عن أرضه وكرامته وسيادته واستقلاله، وهم جزءٌ أساسي من القضية الكبرى التي نناضل جميعًا من أجلها".
أما فاطمة كركي، شقيقة الأسير حسين كركي، فتؤكد لـ "العهد" أنّ عوائل الأسرى لن تقبل بصمت الجهات الرسمية تجاه قضية الأسرى، لأنّ الأسرى ليسوا أبناء طائفة أو مذهب أو فئة معيّنة، بل هم أبناء الوطن كلّه، مضيفة: "إذا لم تنظر الدولة إلى أبنائها وتتعامل مع قضيتهم بما يليق، فهي دولة ناقصة الشرف والكرامة."