مقالات

ضغوطٌ "إسرائيلية" بغلافٍ أميركي وصلت إلى لبنان، أجبرت السيادة اللبنانية على الإعلان عن جلسة لمجلس الوزراء الثلاثاء القادم، سيُدرج فيها بند حصرية السلاح بيد الدولة وبمهل زمنية محددة.
كان سبقها خطاب لفخامة رئيس الجمهورية تحدث فيها صراحة عن وجوب تسليم السلاح بما فيها سلاح حزب الله، و أتى ذلك عكس خطاب القسم الذي قال فيه، إن سلاح المقاومة لا يعالج إلا بالتوافق وضمن إستراتيجية أمن قومي، الأمر الذي يؤكد أن الضغوطات الخارجية فعلت فعلها.
إذاً وصلنا إلى مرحلة، المطلوب فيها تجريد لبنان من قدراته الدفاعية في ظل حظرٍ على تسليح الجيش اللبناني بأي سلاح يشكل خطراً على "إسرائيل".
هذا ما صرح به علناً مبعوث الإدارة الأميركية توم براك حين قال، إنه يجب تدمير كل الأسلحة التي تشكل خطراً على "إسرائيل". كما قال، إن الجيش اللبناني يجب أن يتدرب على حفظ الامن الداخلي وليس على الحرب الهجومية.
فلا ولن يُسمح للجيش اللبناني بالاحتفاظ بأي سلاح إستراتيجي يصادره من المقاومة.
"إسرائيل" تريد أن تكون جيوش الدول المجاورة شرطياً، تمتلك أسلحة فردية ومهمتها حفظ الأمن في الداخل وليس التصدي لأي عدوان خارجي.
وهذا ما فعلته "إسرائيل" في سورية بعد سقوط نظام بشار الأسد، بقيامها بتدمير كل قدرات الجيش السوري، بحيث أصبحت الفصائل المسلحة التابعة للنظام السوري الجديد لا تمتلك إلا أسلحة فردية.
هذا النظام السوري الجديد الذي منذ نشأته أعلن أنه مستعد لـ"السلام" مع "إسرائيل" ورغم ذلك قامت هذه الـ "إسرائيل" بقصف وزارة الدفاع السورية ومحيط القصر الجمهوري و ٢٠٠ هدف على الأراضي السورية كافة، ليس لها علاقة بأحداث السويداء التي تدخلت فيها "إسرائيل" كـ"حمامة سلام" حامية للأقليات، وأجبرت القوات المسلحة السورية على الانسحاب والتراجع ٧٠ كلم عن الحدود الجنوبية.
إذًا؛ هذا النظام السوري الجديد الذي أبدى استعداده لـ"السلام" مع "إسرائيل" لم يجد ضمانات من المجتمع الدولي لمنع العدوان "الإسرائيلي" عليه.
لدينا مثال آخر في التاريخ الحديث، والذي نعود فيه إلى عام ٢٠٠٥ تاريخ تسلم السيد محمود عباس السلطة الفلسطينية.
عشرون سنة ومحمود عباس ينادي بالحلول الدبلوماسية ورفض استعمال القوة لتحقيق مطالب الشعب الفلسطيني بحدها الأدنى، ونعني بذلك تلك التي يمكن أن يحصل عليها في إطار "حل الدولتين".
عشرون سنة والسلطة الفلسطينية بقواها الأمنية التي لا تمتلك سوى أسلحة فردية والتأكيد على رفض اللجوء إلى المقاومة ضد الصهاينة، و"إسرائيل" تفتك بشعبها، وترتكب المجازر، وتقضم الأراضي، وتوسع المستعمرات، وتضطهد وتحرم هذا الشعب من أبسط حقوقه، وتقتحم المسجد الأقصى يومياً .
"السلام العباسي" الذي ينشده السيد محمود عباس ورفضه أسلوب المقاومة، لم يحميا الفلسطيني من التنكيل وتدمير الممتلكات وقلع الأشجار المعمرة واحتلال المنازل في القدس القديمة من قبل مستوطنين بحماية الأمن "الإسرائيلي".
"السلام العباسي" المنشود لم يمنع "إسرائيل" من التنكيل والتدمير في الضفة الغربية وتهجير السكان من أحياء بكاملها، تارة بحجة مخالفات بناء، وطوراً بحجة بناء مستعمرات مكانها.
هل تعلم أن في الضفة الغربية التي تُعتبر جزءًا من دولة فلسطين المزعومة بالإضافة إلى قطاع غزة، هناك ١٤٤ مستوطنة "إسرائيلية"؟
هل تعلم أن في الضفة الغربية يوجد أكثر من مئة بؤرة استيطانية أيضاً؟
هل تعلم أن في الضفة الغربية يوجد ٧٠٧ حواجز أمنية "إسرائيلية"؟
كل هذا قبل طوفان الأقصى و في ظل "السلام العباسي" المنشود.
مع "إسرائيل" لا توجد ضمانات ولا قرارات دولية ولا قوانين دولية.
مع "إسرائيل" لا تحميك إلا قوتك وفقط قوتك.
هذه مقولة قالها رئيس أركان الجيش "الإسرائيلي" بعد أحداث السويداء، حيث قال، لا حماية لأحد في المنطقة إلا إذا كان يمتلك القوة.
نعود للبنان، فنقول، هناك من يريد تجريد المقاومة من سلاحها قبل انسحاب "إسرائيل" من النقاط الخمس، وقبل وقف اعتداءاتها وخروقاتها ودون تسليح الجيش اللبناني بأي سلاح يجعله قادراً على الدفاع عن لبنان وصد أي اعتداء خارجي؛ سواء كان "إسرائيليًّا" أو إرهابيًّا ودون أي ضمانات أميركية، وهذا ما صرح به السيد برّاك.
إذاً نحن متجهون إلى أزمة كبيرة نهار الثلاثاء القادم، لا أحد يعلم إلى أي مدى ممكن أن تصل نتائجها.
فالمقاومة وعلى لسان أمينها العام ترفض الحديث عن نزع أو تسليم السلاح. فهي تشترط أن تنفذ "إسرائيل" ما يتوجب عليها من انسحاب إلى خارج الحدود الدولية، ووقف الاعتداءات والخروقات وتسليم الأسرى والبدء الفعلي بإعادة الإعمار، ومن بعدها تغدو المقاومة مستعدة للجلوس مع فخامة رئيس الجمهورية لمناقشة إستراتيجية أمن قومي؛ من ضمنها إستراتيجية دفاعية يصبح فيها سلاح المقاومة في كنف الدولة وقرار السلم والحرب بيدها.
أيام سوداء تنتظر لبنان في ظل هذه الضغوط الدولية الخبيثة التي تريد أن توصل هذا الوطن إلى الاقتتال الداخلي، خاصةً أن حصان طروادة اللبناني صرح علناً وبكل وقاحة أنه قد جهَّز ١٥ ألف مقاتل لهذه الغاية.