خاص العهد

ما السيناريو الذي ينتظر لبنان لو سلّمت المقاومة سلاحها؟ السؤال في هذه الظروف يأتي على قاعدة "فرضُ المحال ليس بمحال"، لكنّ الإجابة عنه لا تبدو سهلة مطلقًا. الإجابة تفتح الباب أمام تداعيات خطيرة جدًا، قد لا تُبقي بوطن ولا تذر. تلك التداعيات، بطبيعة الحال، لن تكون موجودة لو كنّا أمام جيش قوي جاهز لمواجهة التحديات والمطامع "الإسرائيلية" في لبنان، وهي مطامع تعود لأكثر من مئة عام، أي ما قبل سلاح المقاومة بعقود. لنتخيّل السيناريو الآتي: سلّمت المقاومة ــ التي هي فعليًا الضمانة الوحيدة بمؤازرة الجيش ــ سلاحها، وبعد أيام قرّر صاحب نظرية "إسرائيل الكبرى" اجتياح لبنان. ماذا سيحصل؟ هل ستكون "إسرائيل" مردوعة، أم ستنفّذ مطامعها؟ هل سيكون لدينا رجال يمنعون جيش العدو من التقدّم بضعة أمتار كما حدث في الحرب الأخيرة؟ أم أنّه سيصل في اليوم التالي إلى بيروت وما بعدها؟ الأمثلة في التاريخ طويلة على عقيدة "التوسع" الإسرائيلية، ولا داعي لسردها، إذ يكفي إيراد النموذج السوري، وهو المثال الأقرب حاليًا، ما يجعل القرار الحكومي بحصر سلاح المقاومة بيد الدولة، بدون بدائل واقعية، شبه انتحار يأخذ لبنان إلى الهاوية.
وزير الدفاع الأسبق يعقوب الصراف يُقارب في حديث لموقع "العهد" الإخباري القرار الحكومي في تكليف الجيش إعداد خطة لحصر السلاح بيد الدولة، فيستغرب القرار، واصفًا إياه بالسياسي الضبابي الذي يُربك الجيش. وفق قناعاته، ليس من مهمة الجيش وضع خطط بل تنفيذ مهام، شرط أن تكون واضحة. إسناد مهمة كهذه إلى الجيش يعني رسم المهام المطلوبة منه من ألفها إلى يائها، من حيث تحديد الأولويات، نوع السلاح، المناطق التي سيدخل إليها الجيش، وما إلى ذلك من تفاصيل. فمن غير المنطقي تكليف الجيش وضع خطط في ظل أهداف غير واضحة.
المنطق يفترض ـــ وفق الصراف ــ إعطاء الجيش مهام واضحة وهدفًا محددًا، والطلب منه تنفيذ المهمة وفقًا لراحته، لا ضغطه بجدول زمني. وفي هذا السياق، يستذكر الصراف حين أُقرّت شبه ورقة تعليق "الأعمال العدائية" إبان حكومة نجيب ميقاتي. حينها، طلب مجلس الوزراء من الجيش اللبناني تقديم تقرير أو خطة، لكن المؤسسة العسكرية لم تقدّم هذه الخطة. وفي هذا السياق، يقول الصراف صراحة: "لو كنت اليوم مكان قائد الجيش، لأرسلت كتابًا تفسيريًا للحكومة وطلبت منها الوقوف على مسؤوليتها. الجيش هو مؤسسة تنفيذية وليست تشريعية أو تقريرية". برأي الصراف، الحكومة "دفشت" المهمة على الجيش لتكسب وقتًا، على حساب الجيش، وهنا يبدو الإشكال الأكبر، حيث أُعرّض جيشي لأزمة أكبر بكثير من رفض القرار بالأساس، إرضاءً للمجتمع الدولي.
لا يرى الصراف في ما حصل سوى أنّ الحكومة مضغوطٌ عليها، وقد رضخت لهذا الضغط. بالنسبة إليه، التوقيت خاطئ، فلبنان الدولة الوحيدة في العالم التي تقبل أن تُسلّم فيها قوة المقاومة قدراتها "بالمجان"، بدون بديل، وبدون تعويض، وبدون ضمّ المقاومين إلى الجيش أو إلى الدولة، وكأننا نعطي شيئًا "ببلاش" وبدون ضمانة. أكثر من ذلك، فالمستند المعتمد عليه في مجلس الوزراء واضح أنه لا يصب في مصلحة لبنان ويفتقد التوازن، ويتضمّن خطأً، حيث يقول ما مضمونه إنّ أميركا وفرنسا "فهمتا" أنّ "البلدين" يريدان إيقاف "الأعمال العدائية"، ما يعني أن ما أُقرّ ليس اتفاقًا وليس وقفًا لإطلاق النار، بل يمكن وصفه بالتدبير المؤقت، بينما سحب السلاح هو تدبير دائم، وعليه لا يمكن مداواة مشكلة مؤقتة بتدبير دائم.
الجيش غير مؤهّل للقيام بهذه المهمة
ينتقل الصراف من الحديث عن افتقاد القرار الحكومي لأي منطق إلى السؤال الآتي: هل يحقّ للجيش استعمال القوة لتنفيذ القرار أم لا؟ ينطلق من هذا السؤال ليعبّر عن أسفه، فرجال السياسة "يدفشون" المشاكل على الجيش ويتعاملون بضبابية كاملة مع هذا الملف، كي يربحوا وقتًا. وفي هذا السياق، يُدرج الصراف فرضيتين لجهوزية الجيش: في حال كان جوّ التسليم طوعيًا، نعم، الجيش مؤهّل للاستلام عبر فتح سجلات تسليم والكشف على السلاح، ومراقبة مدى صلاحيته من عدمها. أما المشكلة الأساسية فتبرز عندما لا يكون التسليم طوعيًا، ففي هذه الحالة تصبح العملية عملية لوجستية معقّدة، وتصعب المهمة، ما يعني المواجهة، وسط أسئلة متشعّبة: فهل سنبدأ بالسلاح الفلسطيني ونُحاصر المخيمات؟ هل ستُشنّ حملة لسحب سلاح اللاجئين السوريين، فيُصبح لبنان بكامل مساحته شبيهًا بحوادث نهر البارد؟ وهذا ونحن لم نصل بعد إلى المهمة الأصعب والأعقد: سلاح المقاومة، ما قد يُنشئ مشاكل كبيرة، خصوصًا أنّ عدد المجنّدين الجدد في الجيش كبير وخبرتهم قليلة، بعد أن تقاعد عدد كبير من أصحاب الرتب المتوسطة (العريف، المعاون، الرقيب)، أي من لديهم خبرة، ليصبح الجيش اليوم، وبتجهيزاته الحالية، غير مؤهل للقيام بهذه المهمة.
يُشدّد الصراف على الدور الرادع ــ حتى اللحظة ــ للمقاومة في لبنان. وفق قناعاته، فإنّ الشيء الوحيد الذي يمنع الجانب "الإسرائيلي" حتى اليوم من تنفيذ سيناريو سوريا في لبنان هو المقاومة، حيث بيّنت الحرب الأخيرة أنه غير قادر على الدخول إلى الأرض اللبنانية. وخلال أكثر من 60 يومًا من الحرب، لم يدخل سوى إلى مساحة ضيّقة تتراوح بين 2 إلى 3 كيلومترات. وهنا، يُشدّد الصراف على أنّ من واجب المقاومة، إذا دخلت "إسرائيل" إلى لبنان، التصدي لها لحماية لبنان. برأيه، الخسائر التي قد تطال الجيش "الإسرائيلي" اليوم في حال الدخول بمعركة على الأرض، هي التي تمنعه من المبادرة للهجوم. وفي هذا السياق، يُعبّر عن خشيته من قرار 1701 تحت البند السابع، في حال فشل لبنان رسميًا في تنفيذ القرار الحكومي الذي اتّخذته الحكومة اللبنانية، وهو قرار غير واضح، وفيه تنصلت الحكومة من مسؤوليتها ورمَتها في عهدة الجيش.
لا يُخفي الصراف أنّ هناك مشكلة أساسية تتعلّق بقناعة الطبقة السياسية. وطالما أنّ السلطة السياسية تعترف بأنها لا تريد الدخول في حرب مع "إسرائيل"، فمهما فعلنا، تصبح فكرة السلاح ـ أيًّا كان نوعه ـ غير موجودة. فهذه الطبقة السياسية لديها قناعة أنّ "إسرائيل" أمر واقع، وبإمكانها أن تقتحم بلدنا متى تشاء. وعليه، الإشكال الأكبر أنه لا يوجد قرار سياسي بالمواجهة.
المقاومة بمثابة الروح
في ختام حديثه، يُعرب الصراف عن تفاؤله، رغم كل الأجواء السوداوية، فهو يُعوّل على حكمة المقاومة، ويُعبّر عن قناعته أنها لن تدخل في صراع أو خلاف مع الجيش اللبناني مهما حصل، مستبعدًا كل ما يُشاع عن حرب أهلية مفترضة. وفي المقابل، يبدو الصراف مقتنعًا تمامًا بأن لبنان لن يتخلى عن مقاومته أبدًا، تمامًا كما لا يستطيع الفرد أن يتخلى عن روحه، لأنّ المقاومة تُمثّل شعبًا واسعًا.