نقاط على الحروف

"هذه استقالتي يا تلفزيون لبنان". بهذا العنوان قرر الإعلامي والشاعر عبد الغني طليس، إعلان خبر استقالته أمس، عبر منبرين محليين: "الأخبار" وصحيفة "اللواء". أعلن طليس استقالته بعد 17 عامًا قضاها في "تلفزيون لبنان"، على خلفية "اعتراضات رسمية" على بعض المقالات السياسية المنشورة في الصحف المحلية حسب ما دوّن في كتاب الاستقالة. فما الرابط بين عمله في التلفزيون الرسمي، وبين مساهماته في الصحف المحلية ونشر آرائه السياسية؟ وكيف وصل الأمر بالشاعر المخضرم إلى إسدال الستارة على برنامحه "مسا النور" الذي بقي على الهواء قرابة 17 عامًا، واستقبل فيه ما يزيد عن ألفي ضيف من عالم الثقافة والإعلام والفن، ليعلن موقفه الصريح والواضح من قمع حرية الكتابة والتعبير، سيّما وأنه لا يعدّ موظفًا داخل التلفزيون بل "متعاونًا"، ولا دخل لمواقفه السياسية خارج التلفزيون بما يقدمه في الداخل؟
"يبدو أن المرحلة الراهنة مختلفة"، جملة ساقها الإعلامي عبد الغني طليس في كتاب الاستقالة، محاولًا الإجابة عن سؤال يخص ما كان "يدبّر" له، بعد أن سمع هذه الاعتراضات من خارج التلفزيون كما يقول لنا، وليس من داخله مع الإدارة الجديدة بقيادة أليسار نداف. وبعد أن واظب على هذه الكتابات السياسية طيلة السنوات الماضية، ولم يسمع "لا تلميحًا ولا تصريحًا بانزعاج مسؤول عن محتوى مقالاتي".
القصّة تعود حسبما يروي طليس لموقع "العهد"، إلى حوالي شهرين عندما اعترض على مقدمة وليد عبود الشهيرة "حلوا عنّا" ورفض إزالة المنشور على فايسبوك. تبعته حادثة أخرى، تخص مقالًا ثانيًا نشر في صحيفة "الأخبار"، في 7 آب الماضي، تحت عنوان: "على قاعدة اللهم اضرب الظالم بالظالم"، يعترض فيه على تبديل تسمية جادة "حافظ الأسد" إلى جادة "زياد الرحباني"، انطلاقًا من كيدية حاكتها الحكومة اللبنانية، أرادت من خلالها ضرب العلاقة الوجدانية التي كانت قائمة بين آل الأسد وبين الرحابنة. يستذكر هنا، حادثة إصابة منصور الرحباني بانفجار صعب في الدماغ، وكيف ساهم حافظ الأسد بكلفة علاجه، وبعدها بقيت العلاقة مستمرة بين الطرفين. لا يتوانى الشاعر اللبناني عن توصيف الحكومة بـ"النذلة" بعد أن حاولت كما يقول "تقريشه" أي البحث عن المرجعية السياسية التي ينتمي إليها وحياكة الشائعات حوله.
ولدى معرفة الإعلامي اللبناني بما يحاك له، وطرْح سؤال عما يفعل في التلفزيون الرسمي وفي الوقت عينه يكتب مقالات سياسية لاذعة بحق الحكومة خارجه، سارع إلى التحرك واستبق الأمر وقدم استقالته بشكل علني. هكذا أنهى عبد الغني طليس مسيرة حافلة في التلفزيون الرسمي، وتوقف اليوم عند ما يحصل من مضايقات، بعد مساهمات في الصحف تخطّى عمرها الأربعين عامًا، وصلت في بعض الأحيان إلى كتابة 3 مقالات سياسية أسبوعيًا كما يؤكد لنا، مع الفصل بشكل تام مع مضمون برنامجه الثقافي على "تلفزيون لبنان": "عندي انتقادات للحكومة بس بقولهم برًّا برنامجي".
ولدى سؤاله: "ما الذي خسرته في هذه الاستقالة؟" يجيب من دون تردّد: "أنا لم أخسر شيئًا.. أمام كرامتي لا أخسر شيئًا"، و"لا أرضى بالإملاءات"، واعدًا متابعيه بـ"المواظبة على الكتابة في الصحف كما دأب طيلة الأعوام المنصرمة". ليترك بذلك، "المجال لغيره" (تلفزيونيًا) كما دوّن في الاستقالة، ويمنح "الفرصة" لمن ينزعج من كتاباته السياسية بأن "يتحرر مني بإرادتي".
إشارة إلى أننا حاولنا التواصل مرارًا مع وزير الإعلام بول مرقص للوقوف على رأيه في ما حصل داخل التلفزيون الرسمي، مع سماع تأكيد من مكتبه بأن الوزير لم يعد وصيًا على التلفزيون الرسمي مع تعيين مديرة جديدة له ومجلس إدارة جديد.