نقاط على الحروف

قبل عودة المبعوث الأميركي توماس براك إلى بيروت مجدداً، قادماً من الأراضي المحتلة، اشتغلت الماكينات الإعلامية في لبنان، وبدأت تنشر تسريبات على أنها مضامين الرد الإسرائيلي على الورقة الأميركية. تسريبات أخذت بالانتشار مع تحولها إلى ما يشبه المعلومات المؤكدة. إذ لجأت هنا، هذه القنوات إلى إلحاق هذه الأخبار ونسبتها إلى "مصادر ديبلوماسية" أو حتى "مصادر أمنية إسرائيلية"، في الترويج لما يريده الاحتلال لا سيما في ما أسماه "المنطقة العازلة" في جنوب لبنان، أو تلطيفاً لما رُوِّج أخيراً عن "منطقة صناعية" في القرى الأمامية المتاخمة للحدود مع فلسطين المحتلة. هذه الأجواء حضرت بقوة على منصات الإعلام اللبناني، وأخذت حيزاً واسعاً من التداول؛ إن كان في تقارير إخبارية أو تغطيات. والملاحظ ما يمكن تسميته ب"التطبيع الإعلامي" مع العدو الإسرائيلي، والنقل الحرفي للإعلام العبري بل والإشادة به. تطور لافت ساد الإعلام اللبناني أخيراً، في مرحلة عالية الحساسية، تتطلب أداء وطنياً وليس اصطفافاً إلى جانب الاحتلال في شروطه وإملاءاته.
التطبيع الإعلامي مع الاحتلال:
كان لافتاً أخيراً، ما صدر عن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حول قرار الحكومة اللبنانية، بـ "حصرية السلاح"، وإشادته به. نقل المكتب استعداد الاحتلال "لدعم لبنان" في "نزع سلاح حزب الله"، "بروح من التعاون". كلام مفخخ أعاد نشره الإعلام اللبناني بحرفيته، دون أي تدخل. وقال المكتب؛ إن أي خطوة من الجيش اللبناني تجاه "نزع السلاح" ستتخذ "إسرائيل" مقابلها خطوة بـ "تقليص الوجود العسكري الإسرائيلي في لبنان". استخدم الاحتلال هنا، عبارة "تقليص" وليس انسحاباً، ومع ذلك، بقي الخبر بحرفيته على المنصات المحلية. نأخذ على سبيل المثال قناة mtv التي كان بارزاً تعاطيها مع هذا الخبر، بل إشادتها بكلام نتنياهو. فقد عنونت على موقعها الإلكتروني :"كلام متقدِّم لنتنياهو بشأن لبنان: نحن مستعدون". وتلتحق بها، قناة lbci التي تصدَّر موقعها الإلكتروني علم الاحتلال الإسرائيلي، مرفقاً بعنوان :"إسرائيل: مستعدون لدعم لبنان في نزع سلاح حزب الله".
"المنطقة العازلة":
مشروع سعى اليه الاحتلال الإسرائيلي، وكان هدفاً أساسياً في عدوانه الأخير على لبنان، وتحديداً القرى المتاخمة للحدود الفلسطينية المحتلة. هذا المصطلح أعيد تداوله مع عودة براك إلى بيروت، ونشر تكهنات عمَّا سيكون عليه الرد الإسرائيلي على الورقة الأميركية. بدأت القصة كتسريبات صحافية، لتتحول في ما بعد إلى "مصادر". نتوقف هنا، عند قناة "الجديد" التي كان لافتاً استخدامها لعبارة "مصادر ديبلوماسية" لتفصِّل أكثر في الرد الإسرائيلي المحتمل. ففي نشرة أخبارها، وضمن تغطية "المشهد السياسي"، خصصت المحطة، حيزاً واسعاً للحديث عن "الاقتراح الأميركي" الذي أُعِدَّ لسكان القرى الجنوبية خاصة تلك التي دمّرت بالكامل. إذ تنقل المحطة عن هذه المصادر، اقتراحًا بأن تتحول إلى "منطقة صناعية" تابعة إلى لبنان، وتكون "فاصلة" بين الأراضي اللبنانية والفلسطينية المحتلة. تضيف المصادر بشأن المنازل المدمرة بالكامل والتي يمنع الاحتلال من إعادة إعمارها ثانية في تلك القرى، بأن الاقتراح يشمل منح أصحاب هؤلاء "أراضيَ أخرى في البلدة عينها مع تعويضات مالية". وضمن سياق يشيد ضمنياً بالمقترح الأميركي الإسرائيلي، ركزت المحطة على ما يسمى بـ "المنطقة الصناعية" التي تضم "مشاريع صناعية وسياحية وصحية"، من شأنها أن "تنعش الجنوب اقتصادياً"!.
"المشروع" الترويجي نفسه، حضر على شاشة lbci، ضمن نشرتها الإخبارية في 24 الحالي. ففي تقرير إخباري من مراسلتها في فلسطين المحتلة، نقلت المراسلة "تحذيرات إسرائيلية من الرضوخ إلى ضغوط أميركية، دون ضمان الحدود وبلدات الشمال"، كتحضير لما يريده الاحتلال من جنوب لبنان. نقلت المراسلة عمَّا وصفتهم بـ "المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين"، القول إن العدو "أبدى ليونة في التخفيف من هجماته بشكل تدريجي". نسبت المراسلة إلى "معلومات أولية" تفيد بأن "إسرائيل" قد "تقبل الانسحاب من بعض المواقع فقط"، مع التشديد على إنشاء "منطقة عازلة". يختم التقرير بالحديث أيضاً عن "المنطقة الصناعية" ويلفت إلى أن الاحتلال أبدى "ليونة" أيضاً في هذا المشروع، شريطة عدم "وجود أي مبنى سكني هناك".
باختصار، انجرت بعض المنصات المحلية إلى السردية الإسرائيلية ورّوجت لما يسعى إليه الاحتلال في قرى الجنوب لا سيما تلك المدمرة تدميراً كلياً، وفرضه لشروط وإملاءات على الحكومة والجيش اللبناني، ومحاولة فرضه بالسلم ما لم يأخذه بالحرب وبالعدوان الأخير على لبنان.