اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

المقال التالي  تحليل في "فورين بوليسي": نتنياهو يقود "إسرائيل" نحو مصير مقلق

مقالات

سيد شهداء الأمة… وصية الدم وبوصلة الأمة 
مقالات

سيد شهداء الأمة… وصية الدم وبوصلة الأمة 

133

حين يسقط القادة العاديون، يُطوى معهم فصل من السياسة. أمّا حين يرتقي السيد حسن نصرالله شهيدًا، فإنما يُفتح في تاريخ الأمة باب جديد للكرامة والعنفوان. لقد عاش حياته بين الناس قائدًا لا يفصل نفسه عن وجعهم، ولا يرفع رأسه إلّا ليشير إلى طريقٍ واحد: طريق المقاومة.

لم يكن السيد حسن نصر الله مجرد قائدٍ سياسي، ولا زعيمًا لحركةٍ محلية تنغلق في حدودها الضيقة، بل كان ملامح أمة بكاملها تتجسّد في رجل. رجل حمل صوته هموم البسطاء كما حمل بندقيته في وجه المحتل، رجل كان يطلّ على الناس من شاشة متواضعة، لكن حضوره كان أوسع من جغرافيا وأعمق من حدود.

لقد عاش السيد حياةً أشبه بالأسطورة، لكنها أسطورة من لحمٍ ودم، تنبض بصدقها وتتوقد بألمها. كان يعرف أن السياسة ليست لعبة موازين قوى فقط، بل هي امتحان للأخلاق، وميزان للكرامة. لذلك لم يتردّد في أن يجعل من نفسه درعًا، وأن يقف في الصف الأول حين أرادت الأمة أن تتأكد أن المقاومة ليست شعارًا، بل فعلًا ووجودًا.

استشهاده لم يكن حدثًا عابرًا في سجل الصراع، بل محطة فارقة تعيد رسم المعنى. فقد شاءت الأقدار أن يغادرنا كما عاش، واقفًا، منسجمًا مع عقيدته، مؤمنًا أن الدم حين يُسفك على طريق القدس يصير علامةً على خريطة الحرية. لم يترك خلفه ثروة ولا قصورًا، بل ترك إرثًا أثقل وأسمى: إرثًا من كرامة وعنفوان، ومن وعدٍ أن المقاومة ستبقى ما بقيت الأرض والسماء.

لقد أحبّه الناس لأنه لم يتعالَ عليهم، ولأنه لم يضع نفسه في حصونٍ عالية، بل ظلّ بينهم، يشبههم ويشعر بآلامهم. كان حين يتحدث يُشعر المستمع أن كلامه موجّه له وحده، وأن في صوته رجع صدقٍ لا يُشترى. لذلك فإن استشهاده لم يجرح قلب لبنان وحده، بل جرح ضمير الأمة العربية والإسلامية، من غزة إلى بغداد وصنعاء، وكل شريف على هذه الأرض.

السياسة التي حملها السيد لم تكن ترفًا ولا مناورة عابرة، بل كانت امتدادًا لوعيٍ تاريخي بأن الأمة لن تُحترم ما لم تدافع عن نفسها، وأن الأرض لا تُستعاد بالرجاء، بل بالفعل. كان يعرف أن فلسطين ليست مجرد ملف تفاوضي على طاولة دولية، بل هي البوصلة التي تحدد اتجاه كل مشروعٍ سياسي وأخلاقي في منطقتنا. من أجلها عاش، ومن أجلها استشهد.

واليوم، حين نتأمل رحيله، نكتشف أن حضوره صار أشد كثافة من أي وقت مضى. صار رمزًا لا يمكن اغتياله، وصوتًا لا يمكن إسكاتُه، ورايةً لا يمكن إنزالها. فالشهادة التي منحها لنفسه ولأمته ليست ختامًا لحياته، بل بداية لمرحلةٍ جديدة تزداد فيها المقاومة تجذرًا، وتترسخ فيها قيم العزة والحرية في قلوب الأجيال القادمة.

من الطبيعي أن تدمع العيون حين نفقد قائدًا بحجمه، لكن الدموع وحدها لا تفيه حقه. الوفاء الحقيقي له هو أن نحمل وصيته في عروقنا، أن نُبقي فلسطين البوصلة، وأن نرفض الذلّ بأشكاله، وأن ندرك أن دماء الشهداء هي التي ترسم خط التاريخ.

لقد مضى السيد حسن نصر الله شهيدًا، لكنه لم يغادرنا. ترك فينا ما يكفي من اليقين لنمضي، وترك لنا سؤالًا مفتوحًا: هل سنكون أوفياء لدمه كما كان هو وفيًّا لقضيتنا؟ ذلك هو الامتحان الأكبر الذي سيواجهه جيلٌ كامل بعد رحيله.

إنه ليس نهاية حكاية، بل بدايتها الحقيقية. بدايتها التي كُتبت بالدم، والتي ستظل تصنع فجرًا جديدًا للأمة مهما تكالبت عليها ليالي الاحتلال والتبعية.

الكلمات المفتاحية
مشاركة