خاص العهد
على مدى عامين والحراك في تشيلي لم يهدأ تضامنًا مع غزة بعد عملية طوفان الأقصى، حيث تنوعت الأنشطة والفعاليات في الجامعات وفي الحدائق العامة، وأقيمت مسيرات تحمل اليافطات والعلم الفلسطيني وتهتف لفلسطين باللغة الإسبانية؛ لتصل إلى المسؤولين المعنيين بالعلاقات الخارجية لقطع العلاقة مع الكيان "الإسرائيلي".
وفي الذكرى الثانية لطوفان الأقصى، جدد التشيليون مواقفهم ومساندتهم للشعب الفلسطيني بمسيرة حاشدة جابت شوارع فينيا ديلمار العاصمة السياحية لتشيلي وصولًا إلى مبنى البرلمان، حيث ألقيت بعض الكلمات بالمناسبة من أمام المبنى وتم حرق العلم "الإسرائيلي"، وكذلك دمية تمثل نتنياهو.
موقع العهد الإخباري التقى بعض المشاركين الذين أكدوا أنهم لن يصدقوا الرواية "الإسرائيلية"، وما حصل في غزة من إبادات جماعية دحض رواية ما يدْعونها بالمحرقة اليهودية.
وفي مقابلة مع كورمك دون أحد المشاركين الشباب قال: "العبثية السياسية التي تتبعها الولايات المتحدة الأميركية في دعم "إسرائيل" في الإبادة والتطهير العرقي مقززة، و"إسرائيل" لا يمكن أن تعيش في محيط تعمل على إبادته، ولا بد من قانون دولي يحاسب "إسرائيل" ويطردها من الأمم المتحدة".
وتقول الناشطة مايلين صباغ : "جدتي من أصل فلسطيني، وقد أوصتني ألَّا أنسى فلسطين، وأنا مستعدة للمشاركة في أي نشاط يساعد على إظهار الحق للفلسطينيين ونصرتهم"، وتشير إلى العلم الفلسطيني أمام مبنى البرلمان قائلة: "هذا العلم الفلسطيني هو العلم الذي يجب أن يرفرف بدلًا من العلم "الإسرائيلي" الذي يمثل الإجرام ضد الإنسانية.
وطوال العامين الماضيين، نجح أهل تشيلي في حراكهم الذي أسفر عن عدة نتائج وفقًا لما قاله لموقع "العهد" أحد المسؤولين المنظمين للتحركات في تشيلي تضامنًا مع غزة؛ فيكتور مالوك بالتعاون مع زوجته باتريسيا المنظِّمة للفعاليات التي تُقام دائمًا، والتي ما زالت تحتفظ بمفاتيح الدار من أجدادها للعودة إلى فلسطين، وتأمل بالعودة قريبًا بقوة إرادة الشعوب كما تقول.
ويفند فيكتور لموقعنا بعض الإنجازات التي تحققت، بفعل الحراك الدائم لشعب تشيلي، وفي مقدمته السكان الأصليون أو ذوو الأصول الفلسطينية أو العربية، قائلًا :"عندما حصل طوفان الأقصى لم يكن الشعب في تشيلي يعرف الكثير عن فلسطين والظلم الذي يشهده الفلسطينيون هناك، وبدأ الإعلام في البداية كما باقي الإعلام المناصر لـ"إسرائيل" في العالم يناصر "الإسرائيليين"، ولكن كانت المفاجأة عندما بدأ الشعب يرى مشاهد وأخبارًا مختلفة عما يُظهره الإعلام الرسمي، فبفضل وسائل التواصل الإجتماعي بدأت تظهر الحقيقة هنا، ونحن كمجموعة من الناشطين استغللنا هذه الفرصة الإعلامية في هذه اللحظة التاريخية لنتحرك نصرة لفلسطين، وقد فوجئنا بالتعاطف الشعبي هنا، كأن الناس بدأت تعي حقيقة الرواية "الإسرائيلية" الكاذبة وتنتظر فرصة للتعبير، فكانت التحركات ناجحة جدًا واستقطبت الكثير من النشطاء والمعنيين بحقوق الإنسان وحقوق المرأة والطفل".
وردًا على سؤال يتعلق بإنهاء الحرب في غزة، قال: "نحن نرى من خلال التجربة أن "إسرائيل" لا أمان لها، وفي المقابل نعتقد بأن "إسرائيل لن تعيش طويلًا وسوف يكون مصيرها كمصير دولة الفصل العنصري في جنوب إفريقيا؛ لأنها تسير في المسار التاريخي نفسه، وسنشهد على ذلك قريبًا، وعندها سيعود اللاجئون إلى فلسطين من كل أنحاء العالم".
وفي حوار خصته للعهد الناشطة التشيليانية- السورية أنيتا حسين عن العلاقة التشيليانية الفلسطينية والعربية قالت: "هي علاقة قديمة كون أكبر جالية فلسطينية خارج الشرق الأوسط في تشيلي، وما يقارب النصف مليون فلسطيني مندمجون في الحياة السياسية كالمجلس النيابي والبلديات ومؤثرون في السياسة والاقتصاد والأدب، وهذا ما يعكس مواقف الحكومات التشيلية ممَّا يتعلق بالحق الفلسطيني؛ كاعتراف تشيلي بالدولة الفلسطينية عام 2011 وحق العودة للاجئين. وقد قام وقتها الرئيس سبيستيان بينيارا بزيارة فلسطين تأكيدًا على ذلك، ومن المواقف أيضًا سحب السفير التشيلي من فلسطين المحتلة احتجاجًا على الاعتداءات الوحشية على الفلسطينيين، وكذلك انضمام تشيلي إلى جنوب إفريقيا في الدعاوى ضد "إسرائيل" بتهمة جرائم الحرب، وهناك إنجازات مهمة تحققت بفضل الحراك المستمر واتحاد باقي الجاليات العربية مع فلسطين، مثل الجالية السورية الكبيرة القديمة هنا منذ العهد العثماني في بلاد الشام. ومن أهم المطالبات التي اجتمعت عليها كل الجاليات في الحراك كان مطلب قطع العلاقات نهائيًّا مع "إسرائيل"، وقد نجح هذا الضغط في دفع الحكومة إلى إصدار قرار، أعلنت عنه وزارة الدفاع في شهر نيسان 2024، يقضي بمنع "إسرائيل" من المشاركة في أكبر معرض دولي للطيران والفضاء (فداي) في أميركا اللاتينية، والذي تنظمه تشيلي. ولا ننسى انسحاب تشيلي من جلسة مجلس الأمن الأخيرة عندما ألقى نتنياهو خطابه، مما يدل على أن "إسرائيل" أصبحت معزولة. أيضًا لا يمكننا أن ننسى التحركات والنشاطات الطلابية في الجامعات مع محاضرات خاصة عن فلسطين ومعارض صور داخل الجامعات لتبيين الإجرام "الإسرائيلي" في غزة".
وما كان بارزًا في الفعالية تعاطف السكان الأصليين (الهنود الحمر)؛ لأنهم يعتبرون القتل والإبادة شبيهة بما حصل لأجدادهم في القارة الأميركة، عندما غزا الأوروبيون بلادهم. فيقول "دانيال نوشاك" الرجل الثمانيني المشارك في الفعالية حاملًا بين يديه مجسمًا لطفل صغير يمثل طفلًا من غزة، وكان يتكلم ويبكي حزنًا على ما يحصل لأطفال غزة من قتل وتجويع: "أنا أريد العدالة للأطفال؛ لأنه من حقهم العيش بأمان، ولهم الحق بالطعام والشراب، أنا أطالب العالم بإنقاذ هؤلاء الأطفال من براثن المجرم نتنياهو (رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو)".
ومن السكان الأصليين حدَّثنا أيضًا "إريك سفادور"، وهو أحد المشاركين في الفعالية، وقد أخبرنا بأنه يشارك في كل عمل له علاقة بفلسطين وبإظهار حقيقة الكذب "الإسرائيلي"، قائلًا: "أنا أتنقل داخل أميركا اللاتينية للمشاركة في أية فعالية لها علاقة بفلسطين، أنظم وأساعد في تنظيم الأنشطة كافة، وهذا واجبي الإنساني؛ لأن من يقوم بالإجرام ضد الفلسطينيين ليس إنسانًا، فنحن هنا مهمتنا إبراز الإنسانية وتقويتها في وجه الإجرام غير الإنساني".
وخلال الفعالية، يستوقف الإعلاميين مشهدًا لناشطتين ترتديان الكوفية الفلسطينية، تصرخان وتنددان بالموت لـ"إسرائيل"، ويردد المتظاهرون كلامهما، وهما رولي تمبر وماري خوسيه، وتعتبران من المشاركات الدائمات في كل الأنشطة التي لها علاقة بفلسطين، وقد طلبتا إيصال صوتهما وتأييدهما للبنان وفلسطين، فهما مؤمنتان بأن النصر آت وستزال "إسرائيل" من الوجود؛ لأنها دولة مصنعة.