مقالات
قبل قدومها إلى لبنان زارت أورتاغوس الأراضي الفلسطينية المحتلة وتجولت على مقربة من الحدود اللبنانية برفقة وزير حرب العدوّ وقادة عسكريين صهاينة.
من مستعمرة المطلة الصهيونية قالت أورتاغوس بوضوح إنها اطلعت من القادة العسكريين الصهاينة على إجراءات الجيش "الإسرائيلي" وعلى شرح مفصّل حول متابعة حزب الله لنشاطه ومحاولاته استعادة قوته.
الأمر المهم في تصريح أورتاغوس إنها قالت للصهاينة إن تفاوض لبنان مع أميركا هو بحد ذاته تفاوض مع " إسرائيل" بالنظر إلى ما أسمته بالحلف الأميركي-"الإسرائيلي".
هذه الصورة التي جمعت أورتاغوس بالقادة الصهاينة وتصريحها بشكل واضح أن لبنان عندما يفاوض أميركا فكأنه يفاوض الكيان ليست أمرًا جديدًا.
كل الذين سبقوها كمبعوثين وكلّ الذين يحكمون أميركا يؤكدون أن "إسرائيل" ربيبتهم وأنها الخط الأحمر الممنوع تجاوزه، وأن المسّ بها هو مسّ بأميركا نفسها، وهذا تمت ترجمته على مدى عقود طويلة من الدعم اللامتناهي سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا.
آخر التأكيدات أن أميركا هي المدير وأن كيان العدوّ مجرد موظف هو إلزام ترامب لنتنياهو بالموافقة على "اتفاق غزّة" والسير فيه بما يتناسب مع المصالح الأميركية أولًا و"الإسرائيلية" ثانيًا.
ترامب بوضوح يريد تحقيق إنجاز سياسي سريع عبر الوصول إلى نزع سلاح الحزب كمقدمة لتفكيكه، وأقول تفكيكه لأن الأمر ورد في البند الخامس من إملاءات مايك بومبيو عندما التقى بالرؤساء الثلاثة في لبنان سنة 2019 وأخبرهم بوضوح أن القضاء على حزب الله عسكريًا وسياسيًا هو هدف أميركي لا رجعة عنه.
داخل الأروقة "الإسرائيلية" الضيقة يعتقد الكثيرون منهم أنّ أميركا في هذه المرحلة تُعلن ولا تفعل في حين أنّ إيران وحلفاءها يفعلون دون أن يعلنوا في إشارة إلى عجز الدولة اللبنانية عن تنفيذ قرار الحكومة بنزع سلاح الحزب وأن ما هو مطلوب من أميركا هو الضغط أكثر على لبنان ضمن مسار يتضمن:
- كسر الجمود الحالي في لبنان لأن استمراره بحسب وجهة النظر "الإسرائيلية" سيعيد إنتاج النظام اللبناني بصورته السابقة.
- العمل على تقليم أظافر إيران في لبنان وتحديدًا المستشارين العسكريين الذين يساهمون في عملية ترميم القدرات البشرية والتسليحية للحزب.
- العمل على تحفيز الجيش اللبناني الاحتكاك مع الحزب عسكريًا احتكاكات محدودة ومدروسة لمعرفة ردود الفعل والبناء عليها وهذا مرتبط بوجهة نظر الرئيس اللبناني الذي أخبر الأميركيين أن نزع السلاح في الظروف الحالية سيؤدي إلى حرب أهلية، لهذا يحاول الصهاينة حث الأميركي على الضغط في هذا الجانب وتحديدًا على الرئيس وقائد الجيش.
- كما يريد الصهاينة توسيع دائرة الاستهداف في لبنان وهو ما يحتاج إلى موافقة أميركية، في حين أنّ ترامب وفريقه يكتفون حتّى اللحظة بمزامنة التهديد عبر المبعوثين مع الاعتداءات "الإسرائيلية" والهدف بات واضحًا وهو دفع لبنان نحو القبول بمفاوضات مباشرة سياسية وليس عسكرية وتقنية.
في هذا الجانب قال اللواء احتياط تمير هايمن الذي شغل منصب رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية في جيش العدوّ سابقًا والذي يشغل حاليًّا منصب رئيس معهد "دراسات الأمن القومي الإسرائيلي" إن مسألة نزع سلاح الحزب وتفكيكه هي كذبة كبرى، مخاطبًا اللبنانيين أن لبنان امام فرصة تاريخية لن تتكرّر لكنّه أشار إلى أن الخوف من انفجار داخلي وغياب الإرادة الحقيقية لتحقيق الإصلاح سيفوت على لبنان فرصة الدخول في سلام مستدام.
هايمن يقول إن حزب الله يعيش حالة ضعف ولكنه يعتبر عدم السماح لـ"إسرائيل" من قبل أميركا باستكمال الهجمة وتنفيذ اعتداءات قاصمة سيكون لمصلحة الحزب الذي يعمل في الليل والنهار على استعادة مكامن قوته ولكن بأساليب وأنماط جديدة.
أمام هذه التطورات ربطًا بالمسارات السابقة الممتدة لعقود طويلة يبدو حاسمًا أن من يُدير الحرب هو أميركا ولهذا يجب أن نحذر من تقديم أي تنازلات فقد علمتنا التجارب أن التنازل الأول سيليه تنازلات لا حدود لها خصوصًا في ظل الخلل الكبير في موازين القوى وحصول الكثير من التحولات السياسية والجيوسترايجية، ولنا في سورية مثال واضح حيث أبدت السلطة الجديدة في سورية عدم رغبتها في مواجهة الكيان ومع ذلك تستمر الضربات في ظل لقاءات مباشرة ومتكرّرة بين وزير الخارجية السوري اسعد الشيباني ووزير الشؤون الإستراتيجية "الإسرائيلي" رون ديرمر.
أيضًا علمتنا التجارب البعيدة والقريبة أن الخيارات في هكذا وضعية محصورة بين خيارين:
الاستسلام أو المقاومة، وعلى الرغم من المقاومة كخيار فيه كلفة وثمن كبيرين إلا أن ثمن الاستسلام أكبر بآلاف الأضعاف عن كلفة المقاومة لما في الاستسلام من نتائج تبدأ بما يسميه الأميركي "السلام" ولكنها في الحقيقة تبعية كاملة وسحق للكرامة وسلخ عن التاريخ وهو ما يريده الأميركي و"الإسرائيلي" عبر الوصول بنا إلى ولادة أجيال بلا انتماء وبلا هوية.