اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

يوم الشهيد 2025
المقال التالي طرابلس تختنق والأهالي وأصحاب المحطات يصرخون: من أين نؤمن الغاز؟

مقالات

قرار السِّلم والحرب في لبنان بين سيادة الدولة وتحدّيات الواقع
مقالات

قرار السِّلم والحرب في لبنان بين سيادة الدولة وتحدّيات الواقع

112

مقدمة

يُعتبر قرار السِّلم والحرب من أبرز مظاهر السيادة الوطنية، إذ يختصر قدرة الدولة على الدفاع عن أرضها وفرض إرادتها المستقلة في وجه أي تهديد خارجي.

لكنّ الحالة اللبنانية، بتعقيداتها التاريخية والسياسية والطائفية، تُظهر أن هذا القرار ما زال أسير توازنات داخلية وإقليمية متشابكة، تُضعف قدرة الدولة على احتكار حقّها الطبيعي في الدفاع واتّخاذ القرار السيادي.

فمنذ الثمانينيات وفي ظلّ ضعف مؤسسات الدولة، واستمرار الاعتداءات "الإسرائيلية"، ووجود سلاح المقاومة التي حررت الجنوب سنة ٢٠٠٠ وانتصرت في حرب ٢٠٠٦، إلى اليوم ومع اشتداد الأزمة الاقتصادية وملف النزوح السوري، يصبح السؤال مشروعًا: من يملك اليوم في لبنان قرار الحرب والسِّلم؟

أولًا: الجيش اللبناني: قدرات محدودة أمام تحديات كبرى

رغم تماسكه واحترافيته، يعاني الجيش اللبناني من ضعف في التجهيز والتسليح نتيجة القيود الدولية المفروضة على تسليحه النوعي، إضافة إلى الأزمات المالية التي قلّصت قدراته التشغيلية والمعيشية.

فالجيش، الذي أعيد توحيده بعد اتفاق الطائف، لم يُمنح منذ ذلك الحين الإمكانات التي تتيح له مواجهة أي عدوان واسع.
 الدعم الدولي، خصوصًا الأميركي، بقي مشروطًا بمحدّدات سياسية تمنع حصوله على أسلحة دفاعية نوعية، كمنظومات الدفاع الجوي أو الصواريخ البعيدة المدى.

ومع الانهيار الاقتصادي منذ عام 2019، تراجعت موازنته بشكل كبير، ما جعل الدولة اللبنانية عاجزة عن صياغة إستراتيجية دفاعية شاملة تستند إلى قوة مؤسساتها العسكرية.


ثانيًا: الاعتداءات "الإسرائيلية" ومعادلة الردع

منذ انسحاب الاحتلال "الإسرائيلي" عام 2000، لم يتوقف الخرق "الإسرائيلي" للسيادة اللبنانية. فطلعات الطيران فوق الأراضي اللبنانية تكاد تكون يومية، إضافة إلى استمرار احتلال مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وخراج بلدة الماري " الجزء الشمالي من قرية الغجر".

في المقابل، نجحت المقاومة اللبنانية، ولا سيما حزب الله، في فرض معادلة الردع بالردع. فبعد حرب تموز 2006، باتت "إسرائيل" تحسب حسابًا لأي عدوان واسع، إدراكًا منها لقدرة المقاومة على الرد القاسي.

غير أنّ هذه المعادلة الدفاعية، على أهميتها في حماية لبنان، طرحت تساؤلات سياسية ودستورية حول من يملك القرار في إطلاق النار أو وقفه. فالمقاومة تعتبر نفسها ردًا مشروعًا على الاحتلال والعجز الرسمي، بينما يرى آخرون أن أي عمل عسكري خارج قرار الدولة يُقوّض مفهوم السيادة.


ثالثًا: سلاح المقاومة بين الشرعية الوطنية والجدل السيادي

سلاح المقاومة يُعتبر اليوم أبرز نقطة خلاف داخلي في لبنان.

هناك من يرى أنّ هذا السلاح ضرورة وطنية في ظلّ غياب قدرة الجيش على مواجهة "إسرائيل"، وأنّ معادلة "الجيش والشعب والمقاومة" هي التي تحمي لبنان من العدوان.

في المقابل، يعتبر آخرون أنّ وجود سلاح خارج إطار الدولة ينتقص من سيادتها، ويجعل قرار الحرب والسلم مرهونًا بجهة غير رسمية، ما يعرّض البلاد للعقوبات والعزلة.

بين هذين الموقفين، تحاول الدولة اللبنانية منذ سنوات طرح "إستراتيجية دفاعية وطنية" تنظّم العلاقة بين الجيش والمقاومة، إلا أن غياب التوافق السياسي واستمرار الانقسام الإقليمي حالا دون تحقيق تقدم فعلي في هذا الملف.


رابعًا: الحصار الاقتصادي والضغوط الدولية

منذ بداية الانهيار المالي عام 2019، يواجه لبنان حصارًا اقتصاديًا غير معلن، تتداخل فيه أسباب داخلية وخارجية.

فالفساد وسوء الإدارة من جهة، والعقوبات والقيود الغربية من جهة أخرى، جعلت الاقتصاد اللبناني رهينة للأزمات السياسية. فالمجتمع الدولي يربط أي مساعدة مالية بإصلاحات محدّدة، بعضها يرتبط بشكل مباشر بملف سلاح المقاومة والسياسة الخارجية اللبنانية.

يُضاف إلى ذلك ملف النازحين السوريين، الذين يُقدّر عددهم بأكثر من مليوني نازح. هذا الواقع يُشكّل عبئًا هائلًا على البنية الاقتصادية والاجتماعية، في وقت تسعى فيه الدول الغربية إلى إبقاء النازحين في لبنان بحجة عدم توفر ظروف العودة، ما يُحوّلهم إلى ورقة ضغط إضافية على الدولة اللبنانية.


خامسًا: نحو معادلة وطنية جديدة للسيادة والدفاع

لم يعد لبنان قادرًا على الاستمرار في إدارة التناقضات ذاتها. المطلوب اليوم صياغة رؤية وطنية جديدة توازن بين مقتضيات الأمن والواقعية السياسية.

هذه الرؤية يمكن أن تستند إلى النقاط التالية:

١ -  تعزيز الجيش اللبناني عبر خطط تمويل وتسليح مستقلة، تتيح له امتلاك قدرة ردعية حقيقية.

٢ - تنظيم العلاقة بين الدولة والمقاومة في إطار إستراتيجية دفاعية وطنية واضحة المعالم.

٣ -  انتهاج سياسة خارجية متوازنة ترفض الاصطفاف في المحاور، وتعيد وصل لبنان بمحيطه العربي والدولي على أساس المصالح لا الإملاءات.

٤ -  معالجة ملف النزوح السوري ضمن رؤية إنسانية - سيادية تضمن العودة الآمنة، وتحمي التركيبة الديموغرافية والاجتماعية للبنان.

٥ -  إطلاق خطة إنقاذ اقتصادي تُعيد للدولة قوتها، لأنّ السيادة السياسية لا تُبنى على اقتصاد منهار ومجتمع مثقل بالأعباء. والإسراع في البدء باستخراج الغاز من المياه الإقليمية اللبنانية والتصدي لتحكم الدول الكبرى في هذا المجال. 


خاتمة

إنّ مسألة الحرب والسِّلم في لبنان ليست مجرد قضية عسكرية، بل هي مؤشر إلى مدى اكتمال الدولة وقدرتها على ممارسة سيادتها الفعلية.

ففي ظلّ الحصار الاقتصادي، والانقسام الداخلي، واستمرار التهديدات "الإسرائيلية"، يظلّ لبنان أمام معادلة دقيقة بين الحفاظ على أمنه وردعه، وبين استعادة قراره السيادي الكامل.

ومهما اشتدت الأزمات، يبقى لبنان قادرًا على التكيّف والنهوض من جديد، متى توافرت إرادة وطنية موحَّدة تُعيد القرار إلى مؤسسات الدولة، وتُكرّس مبدأ أن السيادة الحقيقية تبدأ من الداخل، لا تُمنح من الخارج.

الكلمات المفتاحية
مشاركة