نقاط على الحروف
يمكن الانطلاق من الكتاب الذي وجهه حزب الله إلى الرئاسات الثلاث أخيرًا، لتثبيت فكرة ترويج الإعلام المعادي للمقاومة للسردية "الإسرائيلية"، وقلب الحقائق. يوم الخميس الماضي، نشر حزب الله إعلاميًا، كتابًا إلى الرؤساء الثلاثة، يتحدث فيه عن قرار الحكومة في "حصرية السلاح"، وعن رفضه للتفاوض مع الاحتلال، وعن حق المقاومة في الدفاع عن الأرض. شكل هذا الكتاب بمضمونه مادة دسمة لهذه المنصات التي سرعان ما بثت سمومها تجاه المقاومة، وأسقطت أي مسؤولية للعدوّ "الإسرائيلي" عن الاعتداءات اليومية الدموية في الجنوب والبقاع. بل بخلاف ذلك، راحت تصوّب على المقاومة، وتصف بيانها بـ"الانقلاب". يمكن هنا التوقف، عند التصعيد العدواني "الإسرائيلي" في اليوم عينه، والذي طال قرى جنوبية واستهدف مبانيَ سكنية. طبعًا هذه الاعتداءات التي تأتي في سياق الضغط على لبنان والمقاومة، يتعاطى معها هذا الإعلام بتجاهل تام، لا بل يبرّر هذا العدوان ويتبنى السردية "الإسرائيلية" في قضية ما يسمّى "حصر السلاح"، ويذهب أبعد من ذلك، إلى ربط العدوان بمضمون هذا الكتاب، والتهويل مجددًا بنشوب حرب "إسرائيلية" على لبنان، هذه المرة أرفق التهويل بالترويج للاجتياح البري لجنوب لبنان.
التصويب على رسالة حزب الله
كان لافتًا الحملة الممنهجة على رسالة حزب الله، واستكمال ما بدأه هذا الإعلام منذ أكثر من عام، في التغاضي عن ممارسات الاحتلال والتركيز على مطلب الأخير بنزع سلاح المقاومة. يمكننا هنا التوقف عند ما جاء في موقع "الكتائب"، الذي عنون: "عن كتاب حزب الله والانتحار الجماعي"، يتهم فيه حزب الله بـ"الانقلاب على الدولة والمؤسسات الدستورية"، وبـ"التمرّد ورفض تسليم السلاح والتفاوض". ومن باب إسقاط أي خلفية وطنية للمقاومة، ادعى المقال أن حزب الله متمسك بسلاحه، ليس "لحسابات داخلية لبنانية بل حسابات إيرانية"، بوصفه "الذراع الأبرز لطهران". ويكمل المقال حملته على المقاومة ويحاول تقزيم دورها، بالادّعاء أن إيران "تقاتل بهذه الأذرع"، و"تحاول العودة إلى مسرح العمليات في "الشرق الأوسط" للمقايضة، ولتضحى "شريكة في "معادلة الشرق الأوسط"". أما صحيفة "نداء الوطن"، فقد أفردت يوم السبت الماضي، "مانشيت" على صفحتها الأولى بعنوان: "من القمصان السود إلى الكتاب الأسود"، في إشارة إلى كتاب حزب الله. في الصفحة الداخلية، مقالة موصولة بهذا المانشيت تحت عنوان: "العهد والحزب والبلاغ رقم واحد: صدام لا بدّ منه؟". وصف الكتاب بـ"الأسود"، و"البيان الانقلابي"، الذي "لم ينقصه إلا احتلال الإذاعة والتلفزيون ووكالات الأنباء"، ليصير "شكلًا ومضمونًا مشابهًا للانقلابات العسكرية". وسبق هذا المقال/"المانشيت"، مادة أخرى مشابهة تحت عنوان: "كتاب حزب الله تمرّد صريح على الدولة اللبنانية". وهو يتهم المقاومة باستخدام "لغة الرفض والعصيان العلني"، ويدعي أن لبنان "على شفير فقدان الدولة ومؤسساتها من الوجود على خارطة المجتمعين الدولي والعربي". المقال يتهم حزب الله بـ"التمرد الصريح على الدولة اللبنانية، ويصف سلاحه بـ"أداة الابتزاز للدولة".
التهويل بالحرب وبالاجتياح البري:
شنت المقاتلات "الإسرائيلية" عصر الخميس الماضي، أي بعد إصدار حزب الله لبيانه الشهير، غارات على بلدات جنوبية، وقامت باستهداف مبان سكنية بعد توجيه الإنذار لسكانها. تصعيد "إسرائيلي" حاول فرض لغة النار والدمار، والضغط على بيئة المقاومة، وسانده في ذلك الإعلام المعادي، الذي حمّل المقاومة هنا، مسؤولية هذه الاعتداءات، وراح يهوّل بحرب "إسرائيلية" ثانية على لبنان. شبكة "سكاي نيوز" الإماراتية، علّقت على بيان المقاومة، ضمن تغطية معنونة "حزب الله يوجّه رسالة قوية للرؤساء الثلاثة: هل لبنان على أعتاب حرب مع اسرائيل؟". يتضح من العنوان الربط ما بين الرسالة والتصعيد "الإسرائيلي"، إذ تسأل الشبكة الإماراتية: "ماذا يحاول حزب الله فعله عبر هذا البيان؟"، و"هل يسارع التصعيد "الإسرائيلي"؟". ويبقى البارز هذه المرة، في هذه الحملات الممنهجة، الذهاب في التهويل بالحرب إلى الترويج المباشر لنية الاحتلال اجتياح جنوب لبنان بريًا. فقد بثت وكالة "رويترز" قبل أيام قليلة، صورًا قالت فيها إنها ملتقطة من الحدود مع لبنان تظهر أرتالًا من الدبابات "الإسرائيلية" إلى جانبها جنود من المشاة. يضاف إلى صور الوكالة العالمية التي نقلتها غالبية المنصات العربية والغربية، ما نشرته أيضًا "اليونيفيل" في الإطار عينه عن ادعائها رصد مائة وستين مركبة تابعة للاحتلال من بينها دبابات "ميركافا".