اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

المقال التالي حروب الشرق الأوسط تكشف عن معضلة أميركية صعبة في الدفاع الصاروخي

مقالات مختارة

مقالات مختارة

"حصر السلاح" بين "الطائف" والاحتلال

51

أيمن رشيد بيضون - صحيفة الأخبار
أطلّ رئيس مجلس الوزراء مساء الثلاثاء ليتلو على مسامع الشعب اللبناني قرارًا متعلّقًا بحصر السلاح بيد الدولة. مثل هذا القرار، يستحقّ التأمّل، لا سيما في الظرف الحسّاس والمعقّد الذي تمرّ فيه البلاد. فمن المعلوم أن اللبنانيين قد طووا صفحة الحرب الأهلية بعد اتفاق الطائف، أو "وثيقة الوفاق الوطني"، التي تكرّست في الدستور المعدّل عام 1990. تضمّنت الوثيقة عناوين عدّة، أهمّها: الإصلاحات السياسية، تحرير لبنان من الاحتلال ال"إسرائيلي"، وبسط سلطة الدولة اللبنانية على كامل الأراضي اللبنانية.

جوهر الوثيقة كان الانتقال من حالة الحرب إلى حالة السلم، أي استعادة الدولة اللبنانية لسيادتها المفقودة، نتيجة الحرب الأهلية، من جهة، والاحتلال "الإسرائيلي"  من جهة أخرى، وبناء دولة "قوية وقادرة". مفهوم السيادة، إذًا، بحسب الوثيقة، مزدوج ذو بعدين، داخلي وآخر خارجي: الداخلي، المقصود به أن للدولة السلطة لتنفيذ القوانين على المقيمين في إقليمها. وأمّا الخارجي، فالمقصود به قدرتها على الدفاع عن مصالحها الخارجية وعن نفسها ضدّ أي معتد. ومن مظاهر السيادة الخارجية عدم جواز التخلّي عن أحد أقسام الأراضي اللبنانية أو التنازل عنه (المادّة 2 من الدستور).

وأيًا يكن تعريف "الدولة" من الناحية الفلسفية والقانونية، فمن غير المنازع فيه أنها كيان سياسي وقانوني، تتألّف من عناصر ثلاثة: شعب وإقليم وسيادة. اجتماع العناصر المذكورة ليس كافيًالقيام "الدولة"، لأنها مفهوم وظيفي لا مجرد. وعليه، لا يمكن القول عمليًا بوجود الدولة إلا بالقدر الذي تؤدّي فيه الوظائف المتوجّبة عليها وأهمّها الأمن والخدمات بالمعنى العام للكلمتين. أي إن من واجب الدولة أن تتولّى حماية أمن وسلامة أفرادها وممتلكاتهم وتطبيق القانون والدفاع عن إقليمها كما تقديم خدمات التعليم والصحّة والبنية التحتية وغيرها من الخدمات.

لكن، ورغم مرور 35 عامًا على اتفاق الطائف، لم تتمكّن العهود السياسية كافة ــــ عن قصد أو غير قصد ـــــ من بناء دولة، لا قادرة ولا قوية. بل على العكس، الواقع أنّ لبنان لا يزال كيانًا سياسيًا مهدّدًا بالزوال أكثر ممّا هو دولة فعليًا. وطنُ أزماتٍ متراكمة ومتلاحقة، بسبب تخلّي كلّ الطبقة السياسية عن تنفيذ مقررات اتفاق الطائف وعن تطبيق أحكام الدستور اللبناني: عدم سنّ تشريع عصري للانتخابات النيابية، عدم إقرار قانون اللاحصرية الإدارية، وبسبب الإهمال المقصود للتعليم الرسمي الأساسي والجامعي لصالح التعليم الخاص، وضرب قطاعي الصناعة والزراعة لصالح احتكار المستوردين، وحرمان اللبنانيين من حقوق الإنسان الأساسية كالحق في السكن.

هذه الدولة كانت، ولا تزال، أعجز من أن تسنّ قانونًا منطقيًا للإيجارات أو أن تغيث مريضًا يمتنع مستشفى خاص عن استقباله. أعجز من أن تفرض سلطتها على أصحاب المولدات الكهربائية لفشلها في تسيير مرفق الطاقة العام، أو أن تضع خطة بيئية بهدف منع تكدّس النفايات في مدنها وقراها. هذه الدولة مسؤولة، مع المصارف، عن واحدة من أكبر عمليات الاحتيال التي أدّت إلى أخطر أزمة نقدية واقتصادية في لبنان. كلّ ذلك الفشل والعجز ليس إلا بعض مظاهر ضرب مضمون وثيقة الوفاق الوطني وانتهاك الدستور اللبناني.

في المقابل، واجب تسليم السلاح، بحسب وثيقة الوفاق الوطني، كانت مقصودة به الميليشيات المتحاربة. وكان مقرونًا بجملة شروط، أهمّها البدء بالإصلاحات السياسية بعد الحرب. كان تسليم السلاح ضروريًا نظرًا إلى غياب جيش وطني موحّد مولج حماية الشعب من المخاطر الخارجية، وقوى أمنية داخلية لضبط الأمن.

ازدواجية السيادة لا تعنى بأي حال من الأحوال تجزئتها؛ فكما إن تسليم السلاح كان واجبًا ملزمًا بموجب الوثيقة (البعد الداخلي للسيادة) كذلك العمل على تحرير الأراضي اللبنانية من الاحتلال "الإسرائيلي"  (البعد الخارجي) هو أيضًا واجب لا يقلّ أهمّية. بسط سلطة الدولة على كامل أراضيها لا يعني فقط حصر السلاح الداخلي بيد الدولة، بل أن تكون أيضًا هي الجهة الوحيدة الرادعة ضدّ أي اعتداء على أرضها. انطلاقًا ممّا تقدّم، وفي ظل وجود جيش موحّد، وطالما أن الحكومة الحالية التزمت في بيانها الوزاري الدفاع عن الحدود اللبنانية، كان الأولى بمجلس الوزراء تكليف الجيش اللبناني وضع خطة لمواجهة وتحرير أي أرض لبنانية محتلة والتصدّي للخروقات "الإسرائيلية".

ما صدر عن مجلس الوزراء هو إهانة لكل الشهداء، وإهانة للجيش الوطني، لأنه يبرّر، ضمنًا، للكيان "الإسرائيلي"  أفعاله. ففي الوقت الذي كان الاحتلال "الإسرائيلي"  يمعن في اعتدائه على أرض لبنانية، كانت الحكومة تصدر قرارًا بتكليف الجيش وضع خطّة تطبيقية لحصر السلاح من دون تمييز بين سلاح الخارجين عن القانون وبين سلاح المقاومة. أكثر من ذلك، القرار ينطوي على تناقض منطقي من الناحية الدستورية لأنه يشكّل مخالفة فاضحة لواجب الدولة بمواجهة الاحتلال الإسرائيلي؛ فهل المطلوب أن يكون السلاح الشرعي بيد الجيش أداة لتعداد وتسجيل الخروقات "الإسرائيلية" فقط في حين يعتبر السلاح لمقاومة المحتل غير شرعي ويقتضي تسليمه لمثل تلك الدولة!

إنّ الدولة مسؤولة سياسيًا وأخلاقيًا أمام شعبها وأمام التاريخ، فإن كانت عاجزة عن مواجهة عدوّها ـــــ المفترض أنها كذلك ــــــ فعليها مصارحة اللبنانيين بذلك. وفي هذه الحال، على الحكومة تقديم استقالتها إفساحًا للمجال أمام الشعب، وهو مصدر السلطات، لتحرير الأرض، لا أن تمنعه من ممارسة حقّه الطبيعي.


 

الكلمات المفتاحية
مشاركة