اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

المقال التالي جشي: سلاح المقاومة ضمانة وجود لبنان 

خاص العهد

الشيخ النبيل.. الأب والعابد المجاهد
خاص العهد

الشيخ النبيل.. الأب والعابد المجاهد

87

رأيتك في المنام حيًا، سرقني الحلم من واقعي بلحظة. كنا ننتظرك على باب بيتنا، أسرعت نحوك أحتضنك شوقًا، فانهمرت دموعي صامتة. استيقظت.. وإذا بك ترحل من جديد. 

منذ رحلت يا أبي، والعالم فقد ألوانه. لم أعد أرى شيئًا كما كان. لم يعد الأبيض ناصعًا كما كان، والأسود لم يعد عميقًا كما حزني عليك. كلّ ما حولي بات رماديًا، باهتًا، وخاليًا من الحياة، يشبه تمامًا الشعور الذي تركه غيابك. وكأن الفرح والحزن باتا نفس الشعور، وكلّ  المشاعر صارت سواء.

بهذه الكلمات يحاول علي نجل الشهيد القائد سماحة الشيخ نبيل قاووق أن يصف الفقد. حين يغيب من نحب، ويصبح الكلام خجولًا، حين تتلعثم الحروف، وتختنق العبارات. 

يسأل علي: "ملمس يديه لا زال عالقًا على يدي، فكيف ينتزع المرء أثر الحب من الحواس؟"، عبارة يختصر بها كلّ المعاني. ويتحدث لـ "العهد" عن القائد الشيخ نبيل قاووق "الأب"، عن آخر حضن قبل الوداع، وآخر توصية، وعن الصفات.

أكثر صفة جامعة وشاملة ودقيقة يمكن أن نصف بها سماحة الشيخ هي "الأب"، يقول علي، مضيفًا: "في بيته كان نعم الأب، يحتضننا بحنانه، ويحمل قلبًا دافئًا يحنو على أبنائه، وفي عمله كان نعم الأب (بشهادة الإخوان الذين شاركوه العمل)، مثالٌ للاجتهاد والمسؤولية، وللناس في الميادين الاجتماعية كان نعم الأب، رحيمًا، عطوفًا، خدومًا، وملبيًا". 

ويتابع: "الأب ليس مجرد كلمة، إنه وطن، ووالدي حيثما حل، كان حضوره كالوطن، يعطيك الأمان بلا شروط، ولا يعرف حدودًا للعطاء والمحبّة".

يسهب علي بالحديث عن حسن الإدارة التي تميّز بها، إدارة الوقت، وإدارة الحالات الطارئة، وإدارة العلاقات، وغيرها. ويلفت إلى استقامته في ما يبذله في ساحات الجهاد، وميادين الطاعة.

يقول: "رأيته بعيني في ليالٍ لا تُحصى، يعدّ العَشاء بيده، بسيطًا كما ورد في سنن النبيّ الأكرم (ص). طعامه كان صنفًا واحدًا. لكن ما كان في بساطته، كان أعظم من مائدة ملك. كان يُعرف بقلة الطعام، وعند كلّ لقمة يشكر الله". 

في التربية، كان مخلصًا، مصداقًا للدعاة بغير لسانهم، فلم يكن خطابه يقتصر على الناس، بل كان أول من يراعي نفسه في بيته، مع أبنائه وعائلته، قبل أن يعلنها للناس، بحسب علي، "زرع فينا القيم والمفاهيم، ليس بالكلام، بل بالعمل الثابت، والمثابر، في طريق لقاء الله، فكان القدوة التي نحتذي، والنور الذي ينير دروبنا، علّمنا أن الإيمان حياة، وأن الصدق في العمل هو أعظم بيان، لا يحتاج إلى زخرف الكلام، بل إلى صدق القلب وصفاء النية". 

ويختم: "برحليه فقدت الأب الحكيم، والمرشد، والطبيب، والرفيق الذي لا يغفل عن حالي أبدًا".

الشيخ نبيل قاووق بلسان ابنته فاطمة

في عيني فاطمة كريمة الشهيد الشيخ، نقرأ علاقة الأب والابنة. علاقة لا تُشبه أي شيء. حين يمدّ يده، كانت تشعر أن العالم كله بخير، وحين غاب، شعرت أن جزءًا منها ضاع في الزحام.

كان سماحته يرى في ابنته حياةً جديدة، وكلما ابتسمت، شعر وكأن الدنيا تصفو، والهمّ يذوب من على كتفيه. أما هي، فترى فيه أمانًا لا يوصف. وحين يتكلم، تُصغي. وكلّ  كلمة ينطقها تزرع فيها ثقةً وعزمًا وعلمًا.

تخبرنا فاطمة عن شخصية والدها الشهيد، تتحدث عن ثلاثة أبعاد؛ البعد الأول هو طلب العلم، والبعد الثاني هو خط الجهاد والمقاومة، والبعد الثالث هو تزكية النفس. كان الشيخ نبيل قاووق مهتمًا جدًا بالجانب العلمي، وأمضى عشر سنوات في قم المقدسة، طالبًا للعلوم الدينية، ثمّ بعد عودته إلى لبنان، ألف كتبًا عدّة، منها كتاب "بلال الحبشي"، وعندما استشهد كان يؤلف كتابًا اسمه فقه الأخلاق حتّى يبيّن علاقة الفقه بالأخلاق.

تتحدث عن علاقته الوثيقة بالسيد حسن نصر الله (رضوان الله عليه)، والتي بدأت بالثمانينيات. تقول: "كان ملتزمًا جدًا برأي السيد، غير متجاوز له"، وترى أن الله استجاب دعاءه واختاره شهيدًا بعد شهادة السيد سريعًا، كي لا يتحسّر على بقائه بعده.

كان لوالدي الشهيد علاقة خاصة بالقرآن الكريم، تردف كريمة الشهيد، فكان مواظبًا كلّ ليلة على قراءة ثلاثة أجزاء من القرآن الكريم وقوفًا، على الرغم من انشغاله الدائم، تأسيًا بالرسول الأكرم (ص). ولم يكن يمنعه أي حدث أو مناسبة عن أداء هذا البرنامج، حتّى ليلة شهادة سماحة السيد، افترش سجادة صلاته وأكمل برنامجه رغم أن المسؤولية كبرت، والمصاب جلل. تضيف فاطمة: "علاقة والدي بالقرآن صنعت بداخلنا نحن الأولاد شيئًا ما، حتّى عند الأحفاد أيضًا، فهم كانوا يرون مشهد وقوفه وهو يقرأ القرآن كلّ ليلة، وترك هذا أثرًا لديهم، لذلك صرنا كلّما نشتاق إليه نحمل القرآن".

بقي سماحته يزور والدته رغم كلّ انشغالاته في قريته في عبّا. كانت تنتظره كلّ أسبوع ليذهب إليها. وكان مهتمًّا جدًا بقضاء حوائج الناس ومساعدتهم، وفقًا لفاطمة، وكان الشيخ قاووق يطلب من الإخوان أن يمروا أمام أحد المساجد وهم في طريق العمل، لأنه يعرف أن بعض الفقراء يقفون هناك، فكان يقصدهم ويساعدهم. وهو الذي عاش حياة بسيطة، لكنّه كان غني القلب.

كما كان مهتمًا جدًّا بزيارة عوائل الشهداء والجرحى سواء في فترة علاجهم أو بعد تعافيهم. وكان ملتزمًا بزيارة عاشوراء يوميًا منذ عشرين سنة، مواظبًا على دعاء "العهد" بعد كلّ صلاة، حافظًا له، تقول فاطمة، وهو الذي كان يأنس بالعبادة، ويلتزم بالصدقة اليومية.

الكلمات المفتاحية
مشاركة