اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

المقال التالي أزمة القوى البشرية في الجيش "الإسرائيلي" تتعمّق: 600 عنصر طلبوا تقديم موعد تقاعدهم

مقالات

قرار يتخطّى البروتوكول: قراءة في خطوة العماد رودولف هيكل بإلغاء زيارته إلى واشنطن
مقالات

قرار يتخطّى البروتوكول: قراءة في خطوة العماد رودولف هيكل بإلغاء زيارته إلى واشنطن

191

لم يعد المشهد اللبناني يحتمل المزيد من الإملاءات ولا العبث بمؤسساته. وفي خضمّ هذه الضغوط، جاءت خطوة قائد الجيش اللبناني، العماد رودولف هيكل، بإلغاء زيارته إلى الولايات المتحدة بعد تراجع بعض الجهات الأميركية عن عقد لقاءات كانت مقررة سلفاً، لتشكّل منعطفاً سياسياً وأمنياً بالغ الدلالة. فالقرار لم يكن تقنياً ولا بروتوكولياً، بل رسالة سيادية صريحة انطلقت من موقع المسؤولية الوطنية، وأصابت مباشرة جوهر العلاقة بين مؤسسة الجيش والدول المانحة.

مؤسسة عسكرية تتصدّى للضغوط بثبات

منذ سنوات، يحاول الجيش اللبناني موازنة علاقة دقيقة مع واشنطن، مستفيداً من الدعم العسكري الذي تقدّمه، دون التفريط باستقلالية قراره أو السماح بتحويله إلى منصة ضغط سياسي. وقد أثبتت التجارب أن بقاء الجيش خارج الاستقطابات الخارجية هو شرط أساس لاستمراره كضامن وحيد للاستقرار الداخلي.

في هذا السياق، يظهر موقف العماد هيكل بوضوح تام . فهو رفض أن يتعامل مع المؤسسة العسكرية اللبنانية كجهاز قابل للإخضاع أو كطرف يُقاس حضوره بمدى امتثاله للرغبات الخارجية. إن تمسكه بمبدأ الاحترام المتبادل، في علاقات الجيش، بدلاً من الاستنسابية أو التوجيه المسبق، يعيد الاعتبار إلى مبدأ سيادة القرار الوطني الذي لا يتقنه إلا القادة الذين يفهمون معنى الكرامة العسكرية.

الولايات المتحدة… دعمٌ مشروط أم ضغط سياسي؟

لا يمكن في أي قراءة سياسية إغفال المشهد الأوسع: فواشنطن لطالما تعاملت مع الجيش اللبناني باعتباره حاجة إستراتيجية لها في المنطقة، لكنها كثيراً ما حاولت أن تربط دعمها بشروط أو بمقاربات لا تتناسب مع طبيعة الوضع اللبناني. وفي لحظة إلغاء لقاءات رسمية كانت مقررة سلفاً، بدا كأن هناك محاولة لاختبار مدى قابلية الجيش للامتثال أو التراجع.

إلا أنّ ردّ العماد هيكل جاء سريعاً وحاسماً: إذا كان الغرض من اللقاءات هو فرض مقاربات لا تراعي مصلحة لبنان، فلا ضرورة لها. وإذا كان التعاون سيجري تحت سقف الانتقائية والانتظار، فالأجدر الحفاظ على كرامة المؤسسة من أن تُستهان.

حين يصبح بعض الداخل أبواقاً للخارج

لا يمكن فصل ما جرى عن ظاهرة خطيرة تحدّث عنها  فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية، وهي ظاهرة بعض المسؤولين والسياسيين الذين يسافرون إلى الولايات المتحدة لا لتقديم رؤية وطنية موحّدة، بل لـ“بخ السمّ” والتحريض ضد مؤسسات دولتهم، وعلى رأسها الجيش اللبناني. هؤلاء، من مواقعهم السياسية، يسعون إلى دفع الخارج لاتخاذ مواقف ضاغطة على الجيش، ظنّاً منهم أنّ إضعافه يخدم مشاريعهم الضيقة.

هذه الممارسات – التي وصفها الرئيس بأنها دسائس تُطبخ في الغرف المغلقة – تؤدي عملياً إلى خلق انطباعات مغلوطة لدى بعض دوائر القرار في واشنطن وإلى تغذية مقاربات لا تخدم لبنان. لذلك، يأتي موقف العماد هيكل ليعيد ضبط المعادلة؛ الجيش ليس أداة في يد المتخاصمين في الداخل، ولا مادة سهلة للتلاعب في الخارج. إنه مؤسسة فوق الصراعات، ولا يمكن لأي جهة أن توظّفه أو تستخدمه لتصفية حسابات سياسية.

قائد جيش يكتب رسالة سيادية دون أن ينطق بكلمة

ما فعله العماد رودولف هيكل هو كتابة رسالة سياسية واضحة بوسيلة لا تقلّ وضوحاً: القرار . 

فالقرارات، في عالم السياسة، أبلغ من الخطابات. وقراره بإلغاء الزيارة بالكامل، رغم أهميتها العسكرية والدبلوماسية، أظهر أنه لا يقيس المواقف بالمكاسب الآنية، بل بمدى محافظتها على كرامة الجيش وموقعه.

هذه الخطوة تعكس شخصية قائد يفضّل خسارة موعد على خسارة كرامة، ويضع المبادئ فوق الحسابات، ويدرك أن هيبة الجيش ليست تفصيلاً وأن استقلاليته ليست بنداً تفاوضياً.

أثر القرار داخلياً وخارجياً :

داخلياً، أعاد القرار تعزيز ثقة اللبنانيين بمؤسستهم العسكرية، في وقت تتعرّض الدولة لانهيارات متعددة المستويات . لقد شعر المواطن بأن الجيش لا يزال صامداً، وأن قائده لا يساوم على دوره.

أما خارجياً، فالقرار يفرض إعادة تقييم لدى الأطراف الدولية المعنية بالملف اللبناني. فمن يريد علاقة جدية مع الجيش، عليه أن يفهم أنه ليس فقط مؤسسة تُموَّل، بل هو مؤسسة ذات كرامة وطنية لا تُمسّ.

خاتمة: حين تتحوّل المواقف إلى خطوط دفاع

المؤسسة العسكرية اللبنانية، بقيادة العماد رودولف هيكل، تثبت أنّ السيادة ليست شعاراً يُرفع في المناسبات، بل ممارسة تتجلّى في القرارات الصعبة. وفي زمن يتسابق فيه الكثيرون إلى كسب رضا الخارج على حساب الداخل، يبرز قائد الجيش ليقول، إن في لبنان رجالاً ما زالوا يعرفون كيف يقولون “لا” عندما يحقّ للوطن أن يقول ذلك.
هذا الموقف لن يُنسى. فهو ليس حدثاً عابراً، بل فصلٌ جديد في معركة طويلة لحماية استقلال القرار اللبناني وحفظ كرامة المؤسسة العسكرية... تلك التي تبقى ــ شاء بعضٌ أم أبى ــ آخر ما يربط اللبنانيين بوطنهم.

الكلمات المفتاحية
مشاركة